منذ أن بدأت قضية مخالفات البناء، هناك طرف حاضر بقوة لكنه مغيب بطريقة واضحة، مئات وربما آلاف من أباطرة الإدارات الهندسية والأحياء والمدن ومعهم المقاولون وحيتان البناء المخالف، ممن كانوا وراء كل هذا الكم من المخالفات والعشوائية والاعتداء على الأراضى، كانوا وما زالوا موجودين بل هم معروفون بالاسم.
واللافت للنظر أن الفاسدين هم أكثر المستفيدين من أى تعطيل للقانون، وليس صغار المواطنين ممن بنى كل منهم لنفسه بيتا يأويه، مع الإشارة إلى المحافظات التى ليس لها ظهير صحراوى أو امتدادات، وهذه المحافظات يضطر المواطنون للبناء لأنهم لا يجدون بديلا، لكن فى حين يتم محاسبة المخالفين، ينجو عشرات ومئات الفاسدين الذين حققوا ثراءً من صناعة وتمرير المخالفات.
على الطريق تساقط بعض المرتشين والفاسدين، لكن هؤلاء يمثلون نسبة صغيرة، وربما علينا أن نعترف بأن قواعد وسلطة إصدار التراخيص نفسها تفتح الباب للفساد، بل إن الفاسدين يفضلون المخالفين لأنهم يمثلون مصدر دخل دائم.
واللافت للنظر أن الفاسدين والمرتشين معروفون للناس، وتتضخم ثرواتهم بما لا يتناسب مع دخولهم، ومع هذا لا يوجد قانون يحاسب هؤلاء، رغم أن هناك قوانين فى كل دول العالم تحاسب على الثراء بلا سبب، وفى مصر كان هناك قانون «من أين لك هذا» لمحاسبة موظفى الحكومة والقطاع العام. لكن تم تعطيل هذا القانون، ولهذا ظهر وما زال أثرياء بلا سبب ولا وظيفة واضحة، نموا وترعرعوا فى مستنقعات الفساد، وسطاء رشوة أو مرتشين، يواصلون وجودهم ويستمتعون بثروات غير مشروعة، بل إن بعض هؤلاء يستمرون فى مواقعهم أو يتصدرون المجتمع رغم فسادهم المؤكد بالبينة والقرائن.
ونعود لنشير إلى أن قواعد منح التراخيص الحالية وحجم البيروقراطية والتعقيد، تفتح الباب للفساد، وتجعل المواطن بين شقى رحى، إما أن يخضع لابتزاز الفاسدين، أو يحرم من الترخيص أو الحق. وطالما استمرت نفس القواعد فإن الفساد والمخالفات تستمر وتتسع، وتبدو مستعصية على المواجهة.
وعلى سبيل المثال فإن القانون يمنع إقامة المقاهى فى وسط الكتل السكنية، ومع هذا فإن آلاف المقاهى تستمر بدون تراخيص، وبطلب يتم تقديمه، ويظل معلقا بلا موافقة أو رفض، وتتحول هذه المقاهى وبعض الأفران والمحلات مؤقتة ومصدر دخل غير مشروع لأطراف مختلفة. ولو راجعت الحكومة طلبات التراخيص، وحجم المعلق منها والمؤقت، سوف تكشف عن كم هائل من الفساد يستمر بفضل القواعد غير العادلة والتعقيدات غير المبررة.
ويطالب الناس بمحاسبة الذين منحوا التراخيص أو تواطأوا لتمرير المخالفات. وهؤلاء معروفون وثرواتهم غير المشروعة قائمة، عشرات من رؤساء المدن والأحياء ومئات المقاولين وتجار المخالفات كونوا عشرات المليارات من البناء المخالف، وهم من يفترض أن يطاردهم القانون ليستعيد حق الدولة منهم. هناك عشرات الفاسدين والمرتشين تم ضبطهم، وأضعاف هذا الرقم نجوا ليؤكدوا أن الفساد سوف يستمر بمنهجيته الحالية، طالما بقيت قواعد السلطة فى منح ومنع التراخيص قائمة، ويمكن استغلال الفرصة لمطاردة الفاسدين ممنن حققوا ثراء بلا سبب، وأن تتغير القواعد لتكون أوضح وأسهل بشكل يقطع الطريق على الفاسدين.