نعرف جميعا شخصية عنترة بن شداد العبسى، الشاعر المعروف والفارس الشهير الذى تحولت حياته إلى "سيرة" شعبية لا تزال حية، وجزء من هذه الحياة كان بسبب قصة حبه لـ عبلة ابنة عمه مالك، وقد رد أن "مالك "عندما أراد أن يعجز "عنترة" عن الزواج بـعبلة، طلب منه أن يكون مهرها 100 ناقة، من النوق العصافير، التى يملكها الملك الشهير النعمان بن المنذر، وقد خاض عنترة المصاعب من أجل ذلك، وقع فى الأسر وحارب العرب والفرس، لكن هل بالفعل قام عنترة بن شداد بكل ذلك من أجل عيون "عبلة".
لقد فعل عنترة بن شداد ذلك من أجل نفسه، فهو النموذج العربى الأشهر، فى أن يملك الرجل قدره ويصنع مستقبله، وفى رفضه القيود والظروف المحيطة.
كان عنترة بن شداد يؤمن أن علاقته بـ عبلة دليل حريته وإصراره عليها يعنى إصراره على تحطيم ما يحول بينه وبين هذه الحرية، وسعى عنترة جاهدا كى يكون بطلا فى المعارك، وأن يصبح بالنسبة لقومه "حجر أساس" لا يمكن الاستغناء عنه يقول "سيذكرنى قومى إذا الخيل أقبلت وفى الليلة الظلماء يفتقد البدر".
والمتابع لقصة "عنترة" حسبما ترد فى كتب التراث، يجد أن معركة "عبلة" هى المعركة الأشرس التى خاضعها عنترة بن شداد، وإذا كان عنترة قد خاض عشرات المعارك مع القبيلة ليحرر نفسه ويحقق الفوز، فإن المعركة الأشرس كانت من أجل عبلة حتى ظفر بها حبيبة وزوجة، ذلك لأن شقيقها وزوج أختها المسماة "مروة" تآمرا عليه، لكنه كسب معركته بعد أن استجاب لطلب والد عبلة بأن يحضر مائة من "النوق العصافير".
راح الناس يرددون السيرة ويخلدون قصة الحب الشهيرة بين عنترة وعبلة، لأن بها قيمة مهمة تعلقت بفكرة تجاوز (الطبقة) فعبلة بادلت عنترة المحبة رغم وجوده فى طبقة العبيد ورغم نسبه إلى أمة، أى أنه مجهول الأب، لكن السيرة نفسها تقول بأن عنترة بعد فوزه بعبلة، وزواجه منها تزوّج عليها 7 نساء أخريات.
أما أسماء النساء اللواتى تزوجهن عنترة بعد عبلة فهن، "مهرية" وقد سباها فى إحدى معاركه، بعد سرقة فرسه، وافتُتن بجمالها، وحملت منه ليلتها، ولم يُعلم أنها ولدت له أول أبنائه "ميسرة"، الذى كبر ليُصبح فارسًا حارب والده عنترة فى إحدى المعارك، وبعد انكشاف السر يجتمع شمل الأسرة من جديد، ويكرم عنترة "مهرية" ويقيم لها سرادقًا خاصًّا.
كذلك الأميرة "سروة" التى لبسها الجن ووقعت هى ووالدها فى الأسر أثناء بحثه عن علاج لابنته، فيخلصهما عنترة ويُعالج الأميرة بتعويذة أعطاها له صديق، وطلب يدها من أبيها الذى وافق مُكرهًا، وأنجب منها ولدا سُمِّى "الغضبان"، كبر ليصبح فخورًا بوالده البطل، كما تزوَّج بامرأة عربية من قبيلة بنى كنانة "دُر مُلك" وأنجب منها "جار المعلم" و"زيدان"، وتزوج كذلك من "قناصة الرجال" بناءً على طلب أخيها الذى أعجب بفروسية عنترة، ورحَّب عنترة بالزواج من قناصة الرجال التى اشتهرت فى السيرة بـ"الهيفاء"، وهى فارسة عربية لها باع فى الحرب وأنجبت لعنترة ابنته "عنيترة" التى ورثت فروسية الأب والأم، وتزوَّج عنترة أيضًا بأميرة رومية تدعى "مريم"، كما تزوج الملكة الرومية "مريمان" بعد أن قتل والدها فى المعركة وأسرها، وأنجب منها "الجوفران" و"الغضنفر".
لكن هناك قصة أخرى ترى أن عنترة بن شداد لم يتزوج عبلة، حيث إنه يصرح فى بعض شعره بأنها تزوجت، وأن زوجها فارس عربى ضخم أبيض اللون، يقول لها فى إحدى قصائده الموثوق بها التى يرويها الأصمعى:
"إما ترينى قد نحلت ومن يكن/ غرضاً لأطراف الأٍنة ينحل/ فلرب أبلج مثل بعلك بادن/ ضخم على ظهر الجواد مهبل/ غادرته متعفرا أوصاله/ والقوم بين مجرح ومجدل".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة