هل كان الموسيقار العظيم محمد عبدالوهاب لصا موسيقيا؟.. سؤال عاصره «عبدالوهاب» فى حياته «13 مارس 1902- 4 مايو 1991»، وهناك من دافع عنه بقوة، وكانت إحدى المعارك فى مواجهة هجوم ضارى وقفت ظروف سياسية خلفه، حين أصدر «الجناح العربى فى اليونسكو» وثيقة فى يونيو 1979، تضمنت «قائمة أولى لبعض ما قيل إنه سرقات عبدالوهاب الموسيقية»، وفقا للدكتور نبيل حنفى محمود فى كتابه «معارك فنية»، مؤكدا أن صحفا ومجلات عربية كثيرة نشرتها.
كانت جريدة «السفير اللبنانية» التى بدأت فى الصدور يوم «26 مارس 1974» وتوقفت فى «31 ديسمبر 2016» من الصحف التى نشرت الوثيقة، لكنها حولتها إلى معركة على صفحاتها بدأت من 16 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1979، حتى 15 أكتوبر من نفس العام، واشترك فيها الموسيقار اللبنانى وقائد الأوركسترا سليم سحاب مدافعا، والدكتور «عزيز الحاج على حيدر» مندوب العراق الدائم لدى الأمم المتحدة مهاجما، ويذكر الناقد والمؤرخ الموسيقى فيكتور سحاب، بعض ما جاء فى هذه المعركة بظروفها السياسية فى كتابه «السبعة الكبار فى الموسيقى العربية المعاصرة».
اتهمت «وثيقة اليونسكو» عبدالوهاب بأنه أخذ لحن أغنية «أحب عيشة الحرية» و«طول عمرى عايش لوحدى» من السيمفونية الخامسة لبتهوفن المعروفة باسم «القدر»، وموسيقى «النيل نجاشى» و«النهر الخالد» من إحدى افتتاحيات تشايكوفسكى، وأغنية «كان عهدى وعهدك فى الهوى» من أوبرا عايدة لفردى، وأغنية «يا اللى نويت تشغلنى» من أوبرا ريجوليتو، وأغنية «القمح» من مقطوعة لتشايكوفسكى، وأوبريت «مجنون ليلى» مقتبس من أوبرا «شمشون ودليله» لسان صانس، ولحن «رقصة العبيد» لكورساكوف، اقتبسه كمستهل للحن أغنية «سجى الليل».
حضرت السياسة وبقوة فى معركة «سليم سحاب» و«عزيز الحاج»، ممثلة فى حدث توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين الرئيس السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين يوم 17 سبتمبر 1978، ثم توقيعهما معاهدة السلام فى واشنطن، يوم 26 مارس 1979، وأدى ذلك إلى مقاطعة عربية لمصر، وحسب محمود رياض أمين عام الجامعة العربية وقتئذ فى مذكراته «البحث عن السلام والصراع فى الشرق الأوسط»، فإنه فى نوفمبر 1979 انعقدت قمة عربية حضرها زعماء الدول العربية عدا عمان والصومال والسودان، وقررت نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة، وتعليق عضوية مصر.
طال هذا الغضب العربى محمد عبدالوهاب، بعد أن كلفه الرئيس السادات بعمل نشيد وطنى جديد لمصر، وإلغاء نشيد «والله زمان يا سلاحى» المعمول به من 1960، وقدمته أم كلثوم أثناء العدوان الثلاثى على مصر من يوم 29 أكتوبر 1956، ولحنه الموسيقار كمال الطويل، وكتبه الشاعر صلاح جاهين.. وحسب جريدة الأهرام يوم 20 مارس 1979: «تقرر أن يعزف نشيد السلام الجديد لأول مرة لحظة هبوط الرئيس السادات من طائرته عائدا من واشنطن، عقب توقيع معاهدة السلام».. وأضافت: «السلام الجديد مأخوذ من موسيقى نشيد «بلادى.. بلادى»، للفنان خالد الذكر سيد درويش، بعد أن قام الموسيقار الدكتور محمد عبدالوهاب بإعادة توزيعه، وإعطائه قالبا حديثا، وسوف يكون عبدالوهاب بمطار القاهرة ليقود فرقة موسيقات الجيش عند عزفها السلام لأول مرة، ويبدأ عبدالوهاب غدا إجراء بروفات جديدة على نشيد «بلادى.. بلادى» الذى سيؤديه كورال مكون من 40 فردا، لكى يذاع هو أيضا ابتداء من مساء نفس يوم عودة الرئيس من واشنطن».
قدم «عبدالوهاب» تفسيرا لموقفه، فى حواره لمجلة «اليوم السابع الفلسطينية، باريس» «توقفت عام 1990».. قال فى عدد 10 سبتمبر 1984: «أنا لا أحب أن أدخل فى السياسة، لأنى لست من المشتغلين بها.. الأمر ليس له علاقة بإسرائيل.. ممكن أن يتغير هذا النشيد ..بصرف النظر عن إسرائيل.. وأنا طلب منى رئيس دولتى عملا فنيا فقمت به على أنه عمل فنى».
رغم تفسير عبدالوهاب، إلا أنه وحسب فيكتور سحاب: «وقفة المطار التى أحزنت العرب حتما، فسحت مجالا رحيبا لنوازع نمطين من المستفيدين على الأقل: الراغبين فى استثمار الموقف السياسى السيئ للنيل من فن عبدالوهاب، والانفصاليين من مناهضى الدور المصرى التقليدى فى زعامة العالم العربى.. لم يكن شأن هؤلاء وأولئك أن يحزنوا لوقفة المطار، بل أن يغبطوا أنفسهم بها، فأخذت تتسرب من بعض العرب العاملين فى منظمة «اليونسكو» بيانات إلى الصحف، تضم ثلاث عشرة «سرقة موسيقية» أدرجها عبدالوهاب فى أغنياته، وكان أسوأ ما فى هذه الحملة أنها أساءت إلى التراث الموسيقى العربى المعاصر فى أعظم ممثليه على أسماع العالم».
ويضيف فيكتور سحاب: «تحول التسريب إلى مساجلة علنية بين قائد الأوركسترا سليم سحاب ودكتور عزيز الحاج».. فماذا جاء فيها، وما رأى النقاد والموسيقيين؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة