من المرتقب، وفق مصادر خاصة لليوم السابع، أن يحسم خلال ساعات أمر الحكومة اللبنانية الجديدة فإما أن يعلن الرئيس المكلف أسماء الوزراء الجدد بعد تذليل كافة العقبات أو يفشل فى ذلك ..فى الوقت الذى يشارف لبنان على استنفاد آخر فرص نجاته من عنق الزجاجة التى كادت تخنقه لولا تدخل "الفرصة الأخيرة" من قبل الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون ممثلا للمجتمع الدولى..وبنهاية المهلة التى أعلنها الرئيس إيمانويل فى زيارته الأخيرة للبنان لتشكيل حكومة لبنانية جديدة ليست على شاكلة سابقاتها ، وهى 15 يوما بات لبنان على أعتاب نفق أشد ظلمة..
مشهد متأزم استبقته خطوة أمريكية خلفها نبرة شديدة اللهجة بفرض عقوبات على وزيرين سابقين من حلفاء حزب الله هما يوسف فنيانوس وزير الأشغال وعلى حسن خليل وزير المالية منذ عام 2014 ، ولا يمكن النظر للوضع لراهن على الساحة اللبنانية بمعزل عن تلك العقوبات..
كل ذلك يفرض سؤالا مهما حول مدى التغطية الأمريكية لمبادرة ماكرون فى لبنان خاصة وأن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قد سبق وحذر من فشل هذه المبادرة إذا لم يتم التعامل مع مقضية تسلح حزب الله. وأكد بومبيو قائلا: سنمنع طهران من شراء دبابات صينية ونظم دفاع جوي روسية ثم بيع السلاح إلى حزب الله ونسف جهود ماكرون.
بعض المراقبين رأوا أن هذه التصريحات الأمريكية بمثابة عرقلة للمبادرة الفرنسية، التى لم تتعامل بشكل جاد مع انتهاكات «حزب الله» سواء على صعيد التسلح أو اختراقه المؤسسات الرسمية اللبنانية، وتوقعت رضوخها له فى مسألة تأليف الحكومة، بعد انتهاء مهلة الأسبوعين، خاصة بالنظر إلى توقيت إعلان واشنطن عقوبات على بعض الحلفاء لحزب الله بالتزامن مع مساعي تأليف الحكومة، مع التلويح بإصدار قائمة أخرى من العقوبات على أسماء كبيرة ربما ستمثل مفاجأة للأوساط اللبنانية والدولية أيضا..
بينما القراءة الأخرى للموقف الأمريكى تجاه المبادرة الفرنسية ، تؤكد تلك القراءة وترى أن التحرك الفرنسى فى لبنان هو بمباركة أمريكية ومن بين أبرز أهداف التحرك المشترك تقليص النفوذ الإيرانى فى مياه البحر المتوسط.
وبجانب كل هذه المعطيات، فنجد أنه خلال ال24 ساعة الماضية اتجهت الأحداث فى لبنان لإعلان من نوع آخر قاده خلاف حاد مع الثنائى الشيعى حول حقيبة"المالية" والتى رفضوا استبدالها بحقيبة"الخارجية"، وتقف أسباب عدة وراء تمسك"حركة أمل وحزب الله" بوزارة المالية تحديدا كونها حقيبة أساسية فى المشهد اللبنانى خاصة فى ظل الظروف الحالية فمن جانب تدير مفاوضات مع صندوق النقد ومن جانب آخر هى تعنى بالمساعدات والمؤتمرات الدولية التى تعقد لتلقى مساعدات بمليارات الدولارات للبنان.
وتقود المشاورات إما إلى تأليف حكومة مصغرة..أو أن يعلن أديب تعثرها بعد عدة أحداث استبقت ذلك وكانت بمثابة مؤشرات واضحة على اختناق تلك الحكومة وهى بعد مازالت جنينا.
العراقيل بوجه الحكومة الجديدة ليست وليدة اليوم ..فمنذ اللحظات الأولى لتسمية مصطفى أديب فى قصر بعبدا رئيسا مكلفا للحكومة العتيدة بدأت الطبقة السياسية تحركاتها من خلف الكواليس لمواجهة القادم الجديد بالأجندة فرنسية التى رغم أنها للصالح اللبنانى لكن طريقة تنفيذها حتما تتعارض مع مصالح تلك الطبقة ونسق عملها المعتاد ..خاصة أن "أديب" اتجهت لتأليف الحكومة دون إشراك ممثلى القوى السياسية سعيا منه لتأسيس حكومة مستقلة لا تتدخل فيها رغبات تلك الطبقة وربما هذا أزعج سياسيى لبنان..
الرهان كان على تقبل تلك الطبقة التضحية بآمالها فى حصد المزيد من المكاسب إذعانا لنداء وطن يصرخ "أنقذونى فأنا فى الهزيع الأخير" ترجم تلك الكلمات صرخات أمهات وآباء فقدوا فلذات أكبادهم بداخل مرأ بيروت ..
وراهن المجتمع الدولى الذى أعطى الرئيس ماكرون صلاحية التفاوض مع تلك الطبقة لإخراج لبنان من مأزقه بطرح مبادرة إصلاحية على المستويين السياسى والاقتصادى تنتهى بمؤتمر دولى اقتصادى فى ديسمبر المقبل، على أن يعقد فى باريس من أجل تقديم لبنان الجديد للعالم وهو بمثابة بديل لمؤتمر "سيدر" الذى فشل حتى الآن فى تحقيق أهدافه.
أسباب عدة تقف وراء تعثر الرهان الدولى على استجابة الطبقة السياسية للتغيير ، وفى هذا السياق، حمل سياسيون ونشطاء لبنانيون "حزب الله" ومن خلفه رئيس مجلس النواب ورئيس حركة "أمل" نبيه بري، مسؤوليه فشل المبادرة التي تعتبر الأمل الوحيد للبنانيين، لمحاولة الخروج من مأزقهم.
وكتب رئيس الحزب التقدمى الاشتراكى اللبنانى وليد جنبلاط، فى تغريدة له: "يبدو أن البعض لم يفهم أو لا يريد أن يفهم بأن المبادرة الفرنسية هى آخر فرصة لإنقاذ لبنان، لقد عاد كبار الفرقاء إلى لعبة المحاصصة مع إدخال أعراف جديدة دون الاتصال بأحد يقودها هواة جدد على الساحة".
سبقها تغريدة لسعد الحريرى تشير إلى أن الحقائب الوزارية ليست حقا حصريا لأية طائفة فى لبنان، وأن مبدأ المداورة أساسى فى تشكيل الحكومات .
فى الحقيقة لم تكن رغبة الثنائى الشيعى (حركة أمل وحزب الله) فى استمرار "التطيف" ـ أى توزيع الحقائب الوزارية بتقسيم طائفى ـ من خلال استمرار استحواذهما على وزارة المالية هى السبب الوحيد فى عرقلة تشكيل الحكومة..بل وقفت أيضا مصالح التيار الوطنى الحر بكافة عناصره وراء عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة حيث لم تتقاطع تلك المصالح مع أهداف مصطفى أديب ، ربما عبر التيار عن هذا برفضه المشاركة فى تلك الحكومة ..فللتيار أيضا إرث من الفشل فى إدارة حقيبة الطاقة التى تولها لسنوات ، وهى الوزارة المنوط بها واحدة من أكبر أزمات لبنان وهى أزمة الكهرباء..
وبحسب تصريحات أحد نواب رئيس التيار جبران باسيل لليوم السابع ، فإن أكبر سقطات مصطفى أديب منذ البداية هى إصراره على عدم إشراك الكتل السياسية فى مشاورات تشكيل الحكومة ، ما أغضب عديدين وهذا يشر لاحتمال فشل الحكومة لان بالنهاية عليها الحصول على ثقة البرلمان
حديث النائب بالتيار الوطنى الحر ..كان بمثابة غضب غير معلن من التيار لحكومة أديب المنتظرة ،غلف الغضب بعبارة "لن نقف حجر عثرة أمام تلك الحكومة او المبادرة الفرنسية" ! ..يعلم المطلعون على كواليس مسار العمل السياسى بالداخل اللبنانى إلما يشير هذا التناقض فى الحديث .
وعلى الجانب الفرنسى لم يهدأ الإليزيه الذى يواجه موقفا لا يقل صعوبة عما يواجهه "أديب" ، فالرئيس الفرنسى سيكون أمام إحراج دولى إذا فشلت مبادرته وتظهر عدم قدرته على رأب الصدع اللبنانى وإقناع الفرقاء السياسيين بالتخلى عن ذولتهم من أجل مصلحة بلادهم ..
ترجم الإليزيه قلقه من خلال بيان له، أكد خلاله أن على جميع الأطراف تحمل مسؤولياتهم وأن هذه الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان ملوحا بأن فرنسا ستتخذ موقفا صارما إذا لم تلتزم الطبقة السياسية بوعودها التى قطعتها خلال زيارة ماكرون الأخيرة لبيروت، لكن نفى الإليزيه ما تردد عن زيارة رئيس الاستخبارات الفرنسية برنار إيمييه أو تدخله فى الأزمة .
وفى الوقت حضت فرنسا "أديب "، خلال اتصالات خاصة، على التريث فى إعلان فشله فى تشكيل الحكومة والتى كان من المفترض موافقة الرئيس عون على أسماء أعضائها الذين طرحهم أديب خلال زيارته للقصر الرئاسى الاثنين الماضى ، ولكن خرج أديب بعد لقاء استمر 45 دقيقة تقريبا ليقول أن الأسماء لم تعرض وليست جاهزة حتى الآن !
ومن خلف الكواليس حدث نقاش حاد بين الرئيس عون ورئيس الحكومة المكلف على الأسماء التى تضمنها التشكيل ، وعلى طريقة اختيار تلك الأسماء أيضا، عبر "عون" عن تخوفاته من ولادة الحكومة ستقود ـ من وجهة نظره ـ لصراعات بالداخل اللبنانى.
وعلى الفور جرت الاتصالات بين برى وعون وعلى الخط الإليزيه لمنح المبادرة الفرنسية قبلة الحياة ..
وأكدت مصادر خاصة لليوم السابع، أن الثنائى الشيعى يرى أن من حقه وزارة المالية وما يسمى "التوقيع الثالث " بالمالية، خاصة أن ورقة ماكرون لم تنص بشكل مباشر على مبدأ "المداورة" وما يحدث زج بفرنسا بما لم تقله ، ملمحين بأن "عقدة المالية" هى من صنع أطراف فى الداخل اللبنانى .
وفى إطار المساعى الفرنسية لمنح قبلة الحياة لمبادرة ماكرون ، أكدت مصادر مطلعة أمس الخميس، أن هناك لقاء مرتقب بين السفير الفرنسى في لبنان برونو فوشيه، و مسؤولين في حزب الله، لبحث موقف الحزب وحليفته حركة أمل من تشكيلة الحكومة الجديدة، والبحث بشأن حل "عقدة" وزارة المالية في تشكيلة الحكومة العتيدة
ووفق المصادر المطلعة حتى اللحظة، فإن هذا التوافق قد يقضى بإعطاء حقيبة المالية للثنائى الشيعى ، وعلى الجانب الآخر يلتقى رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب مع ممثلين عن حركة أمل و حزب الله .
ولكن هنا لا يزال سؤال مطروحا ، هل سيُتاح لرئيس الحكومة المكلف تأليف حكومة "الإنقاذ "، أم ستوضع فى طريقه أشواك أخرى ربما يعجز أديب عن السير فوقها أو إزالتها وبالتالى تذهب آمال اللبنانيين ومعهم قصر الإليزيه فى نجاح مباردر ة الفرصة الأخيرة لتجنيب الشعب المغلوب على أمره تداعيات غضب أوربى أمريكى محتمل أن ينفجر جراء التعنت السياسى الشيعى؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة