يأتي البعض للدنيا ويرحل دون أن يترك أثر، وهناك من يتركون ورائهم إنجازات عظيمة تخلد ذكراهم، واحداً من هؤلاء رجل الأعمال محمد فريد خميس ، الذى وافته المنيه اليوم السبت ، في الولايات المتحدة الأمريكية ، بعد صراع طويل مع المرض استمر لنحو عام، ترك محمد خميس ، صرح صناعي وطني عظيم، ومؤسسة خيرية أنفقت الملايين على العمل الخيرى، وحب عماله، الذين دائماً ما كان يضعهم على رأس أولوياته، إذ كان شعاره "العمال أولاً".
شيخ الصناع
لا ينافس أحد في مصر فريد خميس على لقب شيخ الصناعة، وقد يظل هذا اللقب دون وريث فترة طويلة ، حتى يأتي من يحقق إنجازات مثله، لأن تجربة الراحل في الصناعة بدأت من الصفر، عندما رحل من مصر للكويت في أعقاب محاولته مع زميله تنفيذ عملية ضد العدوان الإسرائيلي، وقت حرب الاستنزاف ليتم تهريبه للخارج حتى لا يقبض عليه، وهناك في الكويت عمل بالتجارة ولكن قلبه تعلق بصوت الماكينات خاصة السجاد ، الذي كان يتم تصنيعه وقتها في إيطاليا ليتعرف الشاب الصغير وقتها على أسرار المهنة، ويقرر إنشاء أول مصانعه في بلده ويعود ليؤسس شركة النساجون الشرقيون للسجاد بمصنع صغير بالعاشر من رمضان تطور حتى أصبح أشهر علامة وطنية، وأصبح أكبر مصنع للسجاد الميكانيكي في العالم، كما امتلك مصنعين آخرين في الصين والولايات المتحدة.
ولم يعشق "خميس" الصناعة عن طريق الهواية ، وكلنه أحب علوم الصناعة أيضا ، ولذا حصل على درجة الماجستبر في التكاليف الصناعية ودراسات في صناعة النسيج، كما واصل الدراسة حتى حصل عام 2008 على درجة الدكتوراه من جامعة لافبرا ببريطانيا.
وكان الراحل يؤمن بضرورة التكامل في الصناعة، فانشأ مصنعاً ضخماً لإنتاج البروبولين والبولي بوربويلين، المستخدم في صناعة السجاد، كما انشأ مصانع أخرى لتغطية الطلب على السجاد اليدوي وكذلك منتجات الألياف مثل موكيت ماك.
وخلال مسيرته التي قاربت على 40 عاماً في الصناعة، كان دائماً ما يضع شعار "العمال أولاً" وربا أبنائه فريدة وياسمين ومحمد على هذا النهج، ولذا تجد أن متوسط دخل العامل بمجموعة النساجون الشرقيون-بحسب ببيان الشركة للبورصة المصرية-مرتفع جداً مقارنة بالشركات الأخرى، ولا يرتبط الأمر بالدخل فقط بل يوفر لهم مستشفى ورعاية صحية، وهو ما دفع هؤلاء العمال إلى الدعاء له بصدق خلال فترة مرضه، وتعليق صورته على مصانع المجموعة .
وتجد دائما في إفصاحات مجموعة النساجون هذه العبارة:«إيمانًا من الشركة بمسؤوليتها الاجتماعية ومراعاة البعد الاجتماعى وتحسين مستوى المعيشة، قامت الشركة بزيادة رواتب العاملين بها بنسبة 20 %، كما قامت الشركة بمنح العاملين بها علاوة استثنائية بنسبة 10 % أخرى لتحقيق التوازن بين طرفى العملية الإنتاجية».
وكان «خميس» يردد فى اللقاءات العامة دائما، أن العامل هو سر نجاح مجموعته، وأن الفضل لنجاح المجموعة فى أن تحتل مكانة رائدة يرجع للعمال، ويكشف أن الحد الأدنى لأجور العاملين بمجموعته 2450 جنيه، وتصل حتى 130 ألف جنيه لكبار المديرين.
العقارات والتعليم
عشق فريد خميس للصناعة، كان الدافع الأساسي وراء استثماره بالعقارات، حيث كان يرغب الراحل في بناء "فيلات" للمهندسين الأجانب الذي كان يستقدمهم من الخارج لإضافة أحدث التكنولوجيا لمصانعه- مثلما اعتاد- وبالفعل اسند الأمر إلى إحدى الشركات لإنشاء مجموعة من الفيلات القريبة من مصنعه بالعاشر من رمضان، وقد كانت وقتها صحراء بعيدة ولكنه لم يعجبه ما تم تنفيذه فهو دائماً يرغب في إنشاء أفضل المشروعات على مستوى عالمي، لذا قرر دخول المجال وبدأ بمشروعه الخاص حتى تطور في العمل بالقطاع العقاري، وشارك شيخ المهندسين العقاريين حسين صبور في شركة لإنشاء مشروعات سياحية وعقارية منها في مرسى علم، والعين السخنة، ومؤخراً أضاف نجله الوحيد محمد بعد توليه إدارتها تنفيذ مشروعات عقارية بالعاصمة الإدارية والقاهرة الجديدة.التعليم
مثلما جاء استثماره بالقطاع العقاري صدفة، جاء أيضاً الاستثمار بقطاع التعليم صدفة، حيث كان يترأس فريد خميس جمعية مستثمري العاشر من رمضان، وقرر التكفل بإنشاء معهد تعليمي لتوفير شباب من المهنيين لمصانع المدينة، إلا أنه فوجئ بطلب من عدد كبير من أولياء أمور طلاب هذا المعهد لقائه بمقر النساجون الرئيسي بالشيراتون، والذين كشفوا له عن تدني مستوى الدراسة بالمعهد، ليقرر "خميس" غلقه وتحمل دراسة الطلاب على نفقته الشخصية بإحدى المعاهد الدراسية، وبعدما فاتح أحد المقربين بما فعله اقترح عليه الاستثمار بقطاع التعليم، وبالفعل اشترى أرض بمدينة الشروق، وبدأ بإنشاء أكاديمية الشروق، ثم انشأ الجامعة البريطانية، وهي واحدة من أكبر الجامعات الخاصة في مصر.
العمل الخيري
إذا كنت من المقربين من فريد خميس تجده دائماً ما يسأل المقربين منه عن الأعمال الخيرية قبل المشروعات والبيزنس، ويظهر ذلك في إنفاق مؤسسته الخيرية فريد خميس لتنمية المجتمع، منذ عام 1998 وحتى عام 2017 مبلغ 188 مليون جنيه فى مجالات الرعاية الصحية، بناء المستشفيات والوحدات الصحية، مكافحة السرطان، مساندة ذوى القدرات الخاصة، القوافل الطبية وعلاج مرضى الكبد، برامج مكافحة الفقر، إقامة المدارس وتجديدها، القضاء على الأمية، فصول التقوية والانتقالات لطلاب المدارس والجامعات، كفالة الأيتام ورعاية الملاجئ، تجديد دور العبادة، ورعاية الإبداع والفنون والثقافة.
كما تقدم المؤسسة برنامجا لتبنى المائة الأوائل بامتحانات الثانوية العامة، والخمسة الأوائل بامتحانات الإعدادية بجميع المحافظات، ويشتمل برنامج التبنى على سداد الرسوم الدراسية والإقامة، وتوفير الكتب والمستلزمات ومصروف جيب شخصى شهريًا، الرعاية الصحية والاجتماعية، ويستمر ذلك طول فترة الدراسة، كما يتضمن البرنامج الدراسات العليا داخل وخارج مصر لمن يحافظ على التفوق، وترعى المؤسسة حاليًا 20 طالبًا وطالبة بمنح دراسية بالخارج لدرجتى الماجستير والدكتوراه، ويتعهد بتطوير 3 قرى فقيرة أحدها فى الشرقية.
كما كان الراحل دائم التبرع لمصر في أوقات المحن والشدة، حيث كان من أكبر المتبرعين لصندوق تحيا مصر، وآخرها التبرع بمبلغ 7 ملايين جنيه لدعم جهود الدولة في مكافحة فيروس كورونا.