تسببت جائحة فيروس كورونا المستجد في حدوث صدمة كبيرة وفريدة من نوعها للاقتصاد العالمي لم يشهد مثيلاً لها على مدار عقود، فهي مزيج من صدمتي العرض والطلب، حيث أضطرت حكومات العالم إلى فرض قيود على السفر وإتخاذ تدابير عزل لمواجهة هذه الجائحة، وأغلقت اقتصاداتها بشكل كلي، وهو ما أثر بشكل كبير على جميع نواحي الحياة، بما في ذلك أسواق الطاقة العالمية، التي شهدت تراجعاً حاداً في الطلب، ومن ثم تهاوي في أسعار النفط والغاز، وأمتد هذا التأثير السلبي على كامل سلاسل توريد صناعة الطاقة، وأعلن عدد من شركات الطاقة العالمية الكبرى عن عزمها خفض الإنتاج وإعادة النظر فى خطط إنفاقها الرأسمالى على المشروعات الجديدة، على خلفية الإنخفاض الحاد في الأرباح، وأُجبرت العديد من شركات الطاقة الصغيرة على إيقاف أعمالها في ظل تفاقم ديونها.
فقد تراجع الطلب العالمي على النفط خلال الربع الأول من عام 2020، وواصل إنخفاضه بشكل قياسي بلغ نحو 10.8 مليون برميل يوميا خلال الربع الثاني. قبل أن يبدأ في التعافي مع بداية الربع الثالث من العام، تزامناً مع تخفيف القيود المفروضة وبدء إستئناف النشاط الاقتصادي في العديد من دول العالم حيث تشير التوقعات الأولية لمنظمة أوبك إلى إنخفاض الطلب العالمي على النفط بنحو 9.1 مليون برميل يوميا في عام 2020 مقارنة بالعام السابق، ليصل إلى 90.6مليون برميل يوميا، ويُعد هذا الإنخفاض السنوي هو الأكبر على الإطلاق، والأول منذ عام2009.
ووفقا لتقرير منظمة الدول العربية المصدرة للنفط ،فقد إنعكس ذلك سلباً على أسعار النفط الخام العالمية، ففي الأسواق الفورية، تهاوى سعر سلة خامات أوبك خلال شهر أبريل 2020 إلى أدنى مستوى له منذ شهر ديسمبر 2002،وفي الأسواق الاَجلة، إنخفضت عقود خام برنت إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2002 أيضاً، في حين تهاوت عقود خام غرب تكساس إلى ما دون صفر دولار/برميل، وهو أدنى مستوى لها على الإطلاق.
وأشار التقرير إلي أنه على وقع تلك المعطيات، توصلت دول تحالف أوبك إلى إتفاق تاريخي بشأن إجراء تخفيض لمستويات الإنتاج، وبشكل تدريجي، بدأ من الأول من مايو 2020 بمقدار 9.7 مليون برميل يوميا، وينتهي في شهر أبريل 2022 بمقدار 5.8 مليون برميل يوميا، ومع بدء تطبيق هذا الإتفاق، شهدت أسعار النفط الخام تحسناً نسبياً، بدعم من تراجع المخاوف بشأن تخمة المعروض النفطي، تزامناً مع إجراء المملكة العربية السعودية ودولة الكويت ودولة الامارات العربية المتحدة لتخفيضات إنتاج إضافية وطوعية خلال شهر يونيو 2020، إلى جانب الآمال بشأن تعافي الطلب.
أما فيما يخص الغاز الطبيعي، فقد فقدت أسعار الغاز الطبيعي المسال الفورية أكثر من ثلث قيمتها في أسواق آسيا وأوروبا، وامتلأت مرافق التخزين، تزامناً مع تراجع الطلب بشكل ملموس من قبل كبار المستوردين، مثل الصين والهند، التي أعلنت عدد من شركاتهما حالة "القوة القاهرة" لعقود الاستيراد، مع إعادة جدولة لبعض الشحنات، وفي هذا السياق، تشير التوقعات الأولية لوكالة الطاقة الدولية إلى أن الطلب العـالمي على الغـاز الطبيعي يتجه صوب تسجيل أكبر تراجع سنوي على الإطلاق في عام 2020، حيث يتوقـع إنخفاضه بنسبة 4% أي بنحو 150 مليار متر مكعب، وهو ما يعادل مثلي حجم التراجع الذي أعقب الأزمة المالية في 2008، ليصل إلى 3850مليار متر مكعب.
وأكدت الأمانة العامة لمنظمة أوابك على مخرجات التقرير الصادر عن الشركة العربية للاستثمارات البترولية "أبيكورب" الذي يشير إلى أن استثمارات الطاقة المتوقعة خلال الفترة 2020 – 2024 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستكون منخفضة بنسبة 18% مقارنة بالتوقعات السابقة للفترة 2019 – 2023،وقد بين التقرير أن للاستثمارات المخطط لها النصيب الأكبر في هذا الإنخفاض، الذي جاء نتيجة "الأزمة الثلاثية" التي تمر بها دول العالم والمتمثلة في الأزمة الصحية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد، والأزمة النفطية، والأزمة المالية المحتملة التي قد تحدث في الفترة المقبلة.
وأشارت الأمانة العامة لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، إلي أنها وهي تتابع التطورات الجارية على صعيد صناعة الطاقة عربياً ودولياً، فإنها تأمل أن تكلل الجهود التي تبذلها الدول العربية لأحتواء الاَثار السلبية لجائحة كورونا بالنجاح، وأن تحمل المرحلة القادمة بوادر إيجابية للمزيد من التحسن في صناعة الطاقة في الدول العربية، كما تُعرب عن تقديرها لجهود الدول الأعضاء بالمنظمة لدعم جهود الحوار والتنسيق مع الدول المستهلكة الرئيسية للنفط والغاز.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة