هناك مثل إنجليزي يقول:" أن تأتى متأخرا خير من ألا تأتى أبدا". لكن المهم أن تأتى وان جئت متأخرا.. ومتأخرا جدا
الأسباب كثيرة ومتعددة خلال الأربعين أو الخمسين عاما الماضية لتأخرنا ليس فقط في مصر وانما أيضا لتأخر أشقاءنا في السودان عن توطيد العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين بتعاون حقيقي يعود بالفائدة على الجانبين وبمشروعات واستثمارات كبرى لاستغلال الموارد والثروات الزراعية والحيوانية وخاصة في السودان الذى تعلمنا في الصغر انه" سلة الغذاء" للعالم العربي.
عموما ورغم التأخير الغير مفهوم طوال السنوات الماضية عن مشروعات التكامل وتبادل المنفعة والمصلحة المشتركة.. فقد أعلن الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء عن خبر مبهج ومفرح وسعيد للشعبين في البلدين بالموافقة على تأسيس شركة مساهمة مصرية سودانية بين الحكومتين ممثلتين في الشركة القابضة للصناعات الغذائية عن الجانب المصري، وشركة الاتجاهات المتعددة المحدودة السودانية عن الجانب السوداني.
وتختص الشركة بتسمين وإنتاج المواشي والعجول ومصنعاتها ومشتقاتها سواء للسوق المصري أو التصدير، وزراعة وإنتاج واستيراد وتصدير كافة المحاصيل الحيوية والزيتية في كلا البلدين، والتعاون المشترك في مجالات عصر الحبوب الزيتية وتكرير الزيت، السكر، السمسم، الأرز ، القمح، الفول السوداني ومنتجاته و القطن والخضر والفاكهة و العصائر ومركزاتها و الأسمدة الكيميائية –و المطهرات والمنظفات، بالإضافة إلى ما يستجد من منتجات أخرى يمكن التعاون في إنتاجها وتجارتها من خلال الشركة.
ماذا يعنى ذلك في حالة الاتفاق النهائي بين البلدين وبدء العمل فيه..؟
ببساطة يعنى بالنسبة للسودان قفزة في قطاع الثروة الحيوانية والزراعية أيضا لأنه سيدفع الى تحفيز رجال الأعمال المصريين والعرب للاستثمار في هذه المجالات وإقامة شراكات مع القطاعين الحكومي والخاص بهدف التحول من مرحلة الاكتفاء الذاتي إلى مرحلة التسويق خارجيا وتحقيق أقصى استفادة من الثروة الحيوانية والزراعية الهائلة.
ويعنى بالنسبة لمصر الفائدة القصوى في تحقيق الاكتفاء الذاتي من اللحوم والمواد الزراعية الأخرى وتوفير المعروض منها في السوق المحلى بما يؤدى الى خفض الأسعار علاوة على توظيف الخبرات المصرية في إقامة المصانع في السودان الشقيق لزيادة القيمة المضافة من الإنتاج وبالتالي فتح فرص ضخمة للتصدير الخارجي أيضا
السودان الشقيق عانى كثيرا من المتاعب الاقتصادية الحادة بسبب الأوضاع السياسية غير المستقرة لحكومات الرئيس السابق عمر البشير وعدم وضع استراتيجية مناسبة لاستغلال الثروات والموارد الوطنية وعجزت عن جذب الاستثمارات بما يليق بالثروة الزراعية والحيوانية المهولة لديها.
في ظني ان توافر الإرادة السياسية بين البلدين الشقيقين مصر والسودان سيؤدى الى نتائج مذهلة وتصب في صالح اقتصاد البلدين وفى صالح الشعبين وعلينا ألا نتأخر هذه المرة ونستفيد من تجارب السنوات السابقة
السودان تمتلك ثروات طبيعية هائلة، لو تم استغلالها فسوف تحقق تنمية وقفزات سنوية في الناتج المحلي الإجمالي، ويعود بالنفع على السكان.
لدى السودان مقومات حيوانية تعد الأكبر في المنطقة العربية، بواقع 102 مليون رأس من الماشية، تتحرك في مراع طبيعية، مساحتها 118 مليون فدان، فضلا عن معدل أمطار سنوي يزيد عن 400 مليار متر مكعب.
ورغم كل المحاولات لجذب الاستثمارات في القطاع، لكن الخرطوم عجزت عن الاستفادة من الأموال المتدفقة إليها وزيادة احتياطاتها النقدية من العملة الصعبة، التي تعد من بين الأضعف عربيا بواقع مليار دولار، بحسب صندوق النقد الدولي.
مصر يمكنها من خلال الشراكة المعلنة على تطوير العديد من الصناعات القائمة على الثروات الحيوانية والزراعية وتأهيل الكوادر الفنية وإقامة صناعات إضافية وفي مقدمتها صناعة الالبان والأعلاف والدواجن ومسالخ متطورة وتحسين العلاج البيطري.
ويطمح السودان إلى تنمية صادراته التي تشمل أحد روافد النقد الأجنبي الشحيح، الذي تشهده البلاد جراء الهبوط الحاد في العملة المحلية. ويساهم قطاع تصدير المواشي بنحو 20 % من الناتج المحلي الإجمالي ونحو 52 % من إجمالي ناتج القطاع الزراعي، حسب الإحصائيات الرسمية.
الثروة الحيوانية هي بالفعل النفط الحقيقي للأشقاء السودانيين لكنها للأسف لم تنجح في أداء دورها الحقيقي كمصدر للنقد الأجنبي ودعم النمو الاقتصادي وقطاع الصادرات الذى لا يتعدى المليار دولار ولا يساهم سوى بـ5% في الناتج المحلى..!. رغم ان السودان يستحوذ على نحو 30 %من الثروة الحيوانية في العالم العربي.
وتؤكد منظمة العربية للتنمية الزراعية قدرة قطاع الثروة الحيوانية في السودان، على سد فجوة اللحوم الحمراء في الدول العربية إذا ما اتخذت إجراءات محكمة لرفع كفاءة الإنتاج.
الحديث عن السودان وثرواته يطول وما نتحدث عنه هو واقع وليس خيال ولا يحتاج سوى الإرادة السياسية والتخطيط السليم فالسودان واحد من أكبر ثلاث بلدان في القارة أفريقية من حيث المساحة وواحد من أهم بلدان العالم التي تتوافر فيه المياه والأراضي الزراعية الصالحة للزراعة بما يقارب ثلث إجمالي مساحته البالغة 1,8كيلومتر مربع، ، مما يجعله "سلة غذاء" عالمية مؤكدة و.القطن من محاصيل التصدير الرئيسية. والسودان هو من أكبر البلدان المنتجة للسمسم في العالم، يأتي ترتيبه الثالث بعد الهند والصين، وهو أيضاً من دول العالم الأكثر إنتاجاً للذرة.
الحلم المشترك وأحاديث التكامل بين مصر والسودان يبدو أنها هذه المرة قابلة للتحقق على أرض الواقع ويبدو أن هناك إرادة سياسية حقيقية مشتركة بين القاهرة والخرطوم هذه المرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة