أكرم القصاص - علا الشافعي

ناهد صلاح

خالد صالح.. يا بلح أبريم يا سمارة

السبت، 26 سبتمبر 2020 12:16 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شرح لي سائق التاكسي كيف يستطيع أن ينجو بنفسه من "خنقة" الزحام ويختصر كل المسافات بمعرفته الحميمة بالشوارع والحارات، ثم ضحك وقال :"أنا نجم شوارع، عفريت يعني"، لم أبادله ضحكته ولا حتي بابتسامة. أشيح بوجهي بعيداً حتى لا أتورط معه في أية حديث، فتصطدم عيني باللوحات الإعلانية الاستهلاكية للسلع والنجوم، إيقاع مجنون يتموج حتى يستقر نظري على أفيش قديم، متهالك، باهت اللون لفيلم "الجزيرة2"، فتتعلق نظرتي بوجه خالد صالح، كان الـ"فيس بوك" تحول منذ الصباح الباكر إلى منتدى للدعاء له بالرحمة، واستدعاء ذكريات كثيرة عن حضوره الأخاذ ومشواره الحافل، أغض بصري في استحياء عن الأفيش وأنسحب إلى هامش أبيض؛ فيه أعود بذاكرتي إلى مسرح الهناجر في العام 1997، ولي علاقة بالمسرح غير طيبة، حين ذهبت لمقابلة صحفية مع الفنانة سوسن بدر وكان لزاماً علي أن أشاهد العرض قبلها، كان العرض هو "طقوس الإشارات والتحولات" نص سعدالله ونوس وإخراج حسن الوزير، استسلمت للعرض الذي انكسر فيه فضاء برودة علاقتي بالمسرح، وتعرفت في هذه الليلة على ظلين لممثلين اتفقنا جميعاً وقتها أن قواعدهما ترسي لنجمين كبيرين، الممثلان كانا خالد الصاوي وخالد صالح.
 
صار خالد صالح بعدها بسنوات ما أراد وما تنبئه له النقاد، كبر اسمه واتسع ظله على الأفيشات واللوحات الإعلانية ومنحه صدقه وموهبته حضوراً استثنائياً في السينما (أحلى الأوقات، هي فوضى، تيتو، وحتى دوره العابر في حين مييسرة) والتليفزيون (تاجر السعادة، الريان، بعد الفراق، فرعون و..غيرهم).. من كل الأبواب دخل، ووراء كل باب كانت له قصة موجعة ومفرحة تفكك له "كعبلة" الطريق وتجعله يصدق صواب اختياراته ويدهشنا بعفويته في عالمنا المضجر، لكن هل كان بوسع القلب أن يتحمل أكثر؟ .. لم يستطع خالد صالح بحماسه الطيب أن يكمل دورانه حول أحلامه وأن يكون "عفريت الشوارع" ويجتاز الألم الذي مزق صدره، القلب ضل هذه المرة ولم يعد، مات خالد صالح.
أستفيق من الصدمة على صوت محمد منير يتسلل من كاسيت التاكسي:
يا بلح أبريم يا سمارة 
سواك الهوى ف العالي 
هويت 
على طمي النيل يا سمارة 
وشربت عكار 
لما استكفيت 
الأغنية التي كتبها أحمد فؤاد نجم عن الشاعر، المترجم، المناضل اليساري النوبي زكي مراد ابن قرية "ابريم" بالنوبة، هذا الرجل الملاذ للموهوبين وجسرهم للتطلع إلى التغيير، كان يستطيع أن يدبر معهم الخطوة الأولى، وأن يكون لهم معبراً إلى ضفة آمنة تسهم في تشكيل مصائره؛ قبل أن ينتهي مصير زكي مراد نفسه بالموت إثر حادث سير في يوم 18 ديسمبر  من العام 1979 ، حين كان متجهاً إلى الإسكندرية، حسب رواية شهود العيان برؤيتهم سيارة مجهولة أسرعت على يمين سيارة زكي مراد تعمدت دفع سيارة زكي مراد لتصطدم بسيارة نقل في الاتجاه المضاد، تناولت الحكايات موته كنوع من التصفية والاغتيال، بعد ما أصبح متراساً بارزاً في شارع المعارضة، حيث قام بتكوين الجبهة الديمقراطية الوطنية المعادية لمعاهدة كامب ديفيد:
لفيت الشارع والحارة 
على زى نقاوتك فين 
ما لقيت.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة