الدولة المصرية لا تتواني في دعم الصناعة الوطنية، واتخذت طرق عدة للوقوف بجانبها منها فرض رسوم على الاستيراد وضبط الاستيراد العشوائي، وتوفير خامات الإنتاج للمصانع، وكذلك ضبط أسعار الطاقة لتتوافق مع التكاليف التصنيعية من أجل زيادة تنافسية الصادرات خارجيا، وأخيرا تسهيل تشريعات لتنظيم العملية الإنتاجية والتصنيعية، وكل هذه الجهود تحتاج أيضا استكمال تمهيد الطريق أمام القطاع الإنتاجي بوصفه قائد حركة النمو الاقتصادى.
واتجهت الدولة المصرية لحماية الصناعة واتخذت عدة قرارات في الفترة الأخيرة، منها فرض رسوم على واردات السلع منها الحديد والصلب والسكر ومنتجات أخري، وتواكب مع هذا التوجه إنشاء المجمعات الصناعية الجديدة التي تهدف إلي توطين الصناعات الصغيرة والمتوسطة فى قطاعات اقتصادية مختلفة فى مدن صناعية مجهزة مثل مجمع مرغم للكيماويات فى الإسكندرية، كما تعتبر المجمعات الجديدة أحد وسائل القطاع الصناعى، لتعميق المكون المحلى فى الصناعات، وعدم الاعتماد على مكونات ومدخلات إنتاجية من الخارج من خلال إيجاد البدائل المحلية لها.
وطالبت بعض الصناعات منها الأواني وصناعات الصوف الحراري والأجهزة المنزلية والكهربائية، بضرورة مراجعة بعض الاتفاقيات التجارية التي تسببت في زيادة الاستيراد رغم توافر البديل المحلي، إذ طالبت غرفة الصناعات الهندسية على لسان حسن مبروك عضو مجلس إدارة الغرفة ورئيس شعبة الأجهزة المنزلية، بمراجعة بنود عدة اتفاقيات التجارة مع تركيا التي سببت زيادة الاستيراد، في ظل صناعة وطنية تعاني بعض الارتفاع في تكلفة الإنتاج جراء زيادة أسعار الطاقة مما يخلق ضغط على الصناعة الوطنية.
وفيما يتعلق بقرارات ضبط الاستيراد، فإن الحكومة اعتمدت خطة منذ 2015 لتقليل العجز فى الميزان التجارى من خلال ضبط الاستيراد، وذلك عبر إصدار عدد من القرارات للحد من الاستيراد العشوائى وتقنين إجراءات الاستيراد بصفة عامة، إلى جانب العمل على زيادة الصادرات، وكان هناك 3 قرارات رئيسية تسببت في هبوط واردات مصر من 76 مليار دولار سنويا إلي 60 مليار دولار سنويا بحسب تقديرات البنك المركزي المصري.
وجاءت أولى قرارات الحد من الاستيراد خلال شهر أبريل عام 2015 بقرار وزير الصناعة وقتها منير فخرى عبد النور، بمنع استيراد المنتجات ذات الطابع الشعبى، ثم صدور قرار رقم 991 نهاية العام بمنع استيراد نحو 70 سلعة إلا بعد التعامل مع الشركات أو الجهات القائمة على الفحص قبل الشحن إذا ما تبين عدم مطابقة بيانات شهادة الفحص الصادرة منها مع نتائج الفحص العشوائى، وذلك لمدة 6 شهور، وفى حالة العودة يوقف التعامل نهائيا بقرار من وزير التجارة.
واختتمت الوزارة تلك القرارات بقرار رقم 43 لسنة 2016، بشأن تعديل القواعد المنظمة لتسجيل المصانع المؤهلة لتصدير منتجاتها إلى جمهورية مصر العربية، ونص القرار على إنشاء سجل للمصانع والشركات مالكة العلامات التجارية المؤهلة لتصدير المنتجات الموضحة بالبيان المرفق إلى جمهورية مصر العربية بالهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، بحيث لا يجوز الإفراج عن هذه المنتجات الواردة بقصد الاتجار، إلا إذا كانت من إنتاج المصانع المسجلة أو المستوردة من الشركات مالكة العلامة أو مراكز توزيعها المسجلة.
وأصدر وزارة التجارة والصناعة، قراراً بفرض تدابير وقائية نهائية متدرجة على الواردات من بعض اصناف منتجات الحديد والصلب لمدة 3 سنوات ( شاملة فترة التدابير الوقائية المؤقتة التى تم فرضها بموجب القرار الوزارى رقم 346 لسنة 2019) وكانت 25% على الحديد تام الصنع و16% على البيليت.
كل هذه الإجراءات السابقة، لضبط الاستيراد تواكب معها أيضا خفض أسعار الغاز للصناعة إلي 4.5 دولار بعد أن كانت 5.5 دولار، لكن لا يزال هذا السعر مرتفع نسبياً مقارنة بالدول التي تنافس مصر تصديريا، والتي تقدم الغاز المصنعين بسعر يقل عن سعره فى مصر، وهو ما يدفعنا دائما لفتح ملف دعم القطاعات الإنتاجية لمواجهة الاستيراد عبر تقليل تكاليف الإنتاج.
ويرى المصنعون أهمية أن يتم تسعير الغاز فى مصر علي السعر العالمي للغاز، إذ يصل فارق سعر غاز المصانع أكثر من 10%، لذلك فإن الربط مع السعر العالمي سيؤدي إلى تحقيق قدرة أفضل لتنافسية المنتجات المصرية المصدرة إلي خارج البلاد، فيما تؤكد القطاعات الصناعية أن بيع الغاز بسعر 4.5 دولار ليس في صالح الصناعة الوطنية.
سعر الغاز ينعكس بصورة مباشرة على عدد كبير من الصناعات منها المفروشات والملابس الجاهزة، والصناعات البلاستيكية، والغذائية، والهندسية والكيماوية البسيطة، ومواد البناء، وعدد آخر من القطاعات، إضافة إلى الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الحديد والصلب، وكل هذه القطاعات الاقتصادية التصنيعية تسعى الحكومة لزيادة إنتاجها فى السوق المحلية وتوجيه الفائض نحو التصدير، وتقليص وارداتها بهدف توفير العملة الصعبة للبلاد.
وهناك عوائد وفوائد ضخمة تعود على الاقتصاد المصرى، من حماية الصناعة المحلية، وخفض سعر الغاز للمصانع، هذه الحماية تبدأ من خفض تكاليف الإنتاج، الذي ينعكس مباشرة على تنافسية المنتجات المصرية بالخارج، نتيجة تصديرها بأسعار تنافسية، ولن يتم تحقيق هذه المعادلة إلا من خلال خفض التكلفة النهائية للمنتج، عبر الاعتماد على مدخلات إنتاج محلية وخفض سعر الطاقة للمصانع وعلي رأسها الغاز.
لعل أبرز عوائد دعم الصناعة، توفير آلاف من فرص العمل الجديدة للشباب، الأمر الذى يساهم فى خفض البطالة، إضافة إلى إتاحة وتوفير منتجات جديدة للسوق الداخلى ومن ثم تقليل الاعتماد على المنتجات المستوردة، وتقليل الضغط على العملة الصعبة، وتوطين الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
وتعد إتاحة وتوفير أراضٍ مرفقة أمام المستثمرين، الخطوة الأهم أمام الحكومة التى يمكن من خلالها تحقيق معدلات النمو الصناعى المنشودة، بجانب مشروعات إنشاء المجمعات الصناعية الجديدة الموزعة فى 12 محافظة، للقطاعات الأكثر حيوية منها الغزل والنسيج والكيماويات والصناعات الغذائية والصناعات الطبية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة