كافة المؤشرات والأرقام تؤكد أن السعر الحالي للغاز لا يصب في صالح الصناعة الوطنية، خاصة صناعة الحديد والصلب التى تعتبر إحدى الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة، وهنا نجد أن التأثير السلبي على هذه الصناعة يتمثل في ارتفاع تكلفة إنتاجها نتيجة زيادة سعر المليون وحدة حرارية من الغاز والمحددة بـ4.5 دولار، في حين أن الدول التي تنافس مصر خارجيا فيما يتعلق بملف الصادرات الصناعية وتحديدا بقطاع الحديد والصلب، تشهد هبوط سعر الغاز فيها بنسب تتخطي 15 أو 20% وفق تقديرات غرفة الصناعات المعدنية.
ارتفاع تكلفة الإنتاج يخلق مزيد من الضغط على الصناعات المختلفة، ومن ثم ارتفاع سعر المنتجات النهائية بالسوق الخارجي، قلل من تنافسية هذه المنتجات، بالأسواق الخارجية، وقد يفقد الصناع أسواقا تصديرية جراء هذه الزيادة في التكلفة، إضافة إلى بعض المشكلات الأخرى التي تثقل كاهل الصناعة الوطنية، ومن بينها صناعة الحديد والصلب التي تعاني من مشكلتين الأولي مرتبطة باستيراد الحديد من الخارج وهنا الدولة لجأت إلى فرض رسوم على الاستيراد، والمشكلة الأخرى مرتبطة بارتفاع تكلفة الإنتاج نتيجة الزيادة الكبيرة في أسعار الغاز مقارنة بالدول المنافسة، الأمر الذي يدفع القطاع الصناعي للمطالبة بخفض الغاز إلى 3 دولار للمليون وحدة حرارية.
ووفق أحدث تقارير صادرات الحديد والصلب، هبطت صادرات القطاع بالنصف الأول من العام الحالي بنسبة 37% لتسجل 252 مليون دولار مقابل 402 ملايين دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي، وكذلك يعاني قطاع الحديد والصلب من تراجع الطلب المحلي بنسبة بلغت 60% وفق تقديرات غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، نتيجة وقف تراخيص البناء لمدة 6 أشهر.
ولايزال سعر الغاز للمصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة «الحديد والصلب» ومواد البناء الأخرى يشكل عائقًا كبيرًا أمام تعريفة منتجات تلك الصناعات، سواء بالسوق المحلية أو الخارجية، إذ يرتبط استعادة الطاقات الإنتاجية كاملة والتى تراجعت بصورة كبيرة بسبب سعر الغاز، بإعادة تسعير الغاز بسعر يتراوح بين 2.5 و3 دولارات، خاصة فى ظل جائحة كورونا وأن الخفض الأخير الذى جعل سعر المليون وحدة حرارية بـ4.5 دولار قرار صائب لكن التكلفة تظل مرتفعة قياسا على الدول المجاورة، فإذا كان سعر توريد الغاز الطبيعى «للمليون وحدة حرارية بريطانية» للصناعات الكبرى فى أوروبا لا يتجاوز 1.4 دولار أمريكى، وفى الولايات المتحدة الأمريكية 1.84 دولار أمريكى «مايو 2020»، فبالتأكيد يصعب قبول أن يتم توريده لصناعة الصلب الوطنية بـ4.5 دولار أمريكى.
فبحسب الدكتورة عالية المهدى رئيس الجمعية المصرية للصلب، فإن الغاز الطبيعى سلعة متداولة عالمياً وأسعارها معروفة للجميع، ولا يمكن لأى صناعة أن تكون لديها قدرة تنافسية ما لم تكن تحصل عليه بأسعار على قدم المساواة مع الأسعار العالمية، فعدم مجاراة الأسعار المحلية للأسعار العالمية للغاز الطبيعى أمر لا تقوى على تحمله صناعة الحديد والصلب المصرية، ولا أى صناعة أخرى، وهو أمر سيؤدى حتماً إلى تراجع إنتاجها وقد ينتهى بها المطاف للتوقف التام، فهذا السعر كفيل بتدمير صناعة الحديد والصلب العريقة مهما كانت متقدمة تكنولوجياً.
فى نفس السياق، شدد المجلس التصديري لمواد البناء في تقرير سابق له، على ضرورة قيام الحكومة بتعديل تسعير الغاز المورد للمصانع، ليتم تقييمه بالجنيه وليس بالدولار، خاصة أن المنتج المحلى يتم شراؤه من قبل شركات حكومية مصرية، موضحا أن المنتجين حاليًا يقومون بسداد سعر الغاز بما يعادل سعر الدولار بالجنيه المصرى، مضيفا أن المملكة العربية السعودية والإمارات أكبر المنافسين للسوق المصرى بقطاع مواد البناء بالمنطقة، ويحصل منتجوهم على سعر الغاز بين 1 و1.25 دولار، وبمقارنتهم بالمنتج المحلى الذى يحصل عليه بزيادة كبيرة.
وطالب المجلس، بضرورة التعامل مع الأمر بجدية لحماية الصناعة وتحقيق معدلات النمو الصناعى المستهدفة، التى لن تأتى إلا بتوفير مدخلات الإنتاج المحلية، ضمنها الطاقة، بأسعار عادلة، حتى تتمكن المنتجات من المنافسة فى الخارج، فى ظل جائحة كورونا.
وطالبت غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات- وهي الناطق بلسان مصانع الحديد والصلب - بأن تقوم الحكومة بربط أسعار الغاز المصرية بالسعر العالمى، لأن ذلك سيساهم فى خفض التكلفة الإنتاجية فى مصر، ويحقق لمصر تنافسية فى الأسواق العالمية عبر نفاذ المنتجات المصرية إليها بأسعار تفضيلية، ومن المتوقع - بحسب الغرفة- أن يساعد تخفيض الأسعار مرة أخرى على تحقيق مستهدفات مصر التصديرية خلال الفترة المقبلة.
وقال المهندس طارق الحيوشى إن ارتفاع سعر الطاقة عن السعر العالمى أدى إلى تحقيق خسائر لدى المصنعين محلياً، ورفع التكلفة الإنتاجية للمصانع، وهو ما يجعل فرصة التنافسية مستحيلة فى ظل وجود دول معينة تقوم بتصنيع نفس المنتج وتصدره لمصر لكن بسعر أقل بسبب تخفيض مدخلات الإنتاج من الكهرباء أو الغاز.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة