المناظرة الانتخابية الأولى بين مرشحى الرئاسة الأمريكية، تبدو حدثا مهما، ولكن تبقى درجة الاهتمام به متفاوتة إلى حد كبير في كافة المناسبات المشابهة في الماضى، فالاهتمام الأكبر بالحدث يأتي من الداخل الأمريكي، وهو ما يعد أمرا طبيعيا تماما، فالمواطن صاحب المصلحة الأولى في معرفة الرؤى التي يعتمدها المرشحين، تجاه مختلف القضايا، بينما يقتصر الاهتمام خارج الحدود، على المحللين والخبراء، ولا يخرج عن إطار التركيز على السياسة الخارجية التي سوف تتبناها واشنطن، خلال أربعة سنوات قادمة، وما إذا كانت الإدارة المقبلة ستتخذ نهجا مشابها، أم أن الأمور قد تشهد خلافا كبيرا.
إلا أن المناظرة المرتقبة بعد ساعات بين الرئيس دونالد ترامب، وخصمه الديمقراطى، جو بايدن، ربما تجد دائرة أوسع من الاهتمام، خارج الولايات المتحدة، في ضوء معطيات عدة أبرزها ما يمكننا تسميته بـ"حالة الاحتقان" غير المسبوقة، والتي من المتوقع أن تهيمن على المشهد الانتخابى في الولايات المتحدة، بعد ما يقرب من 4 سنوات، كانت بمثابة معركة تكسير عظام بين سيد البيت الأبيض، وخصومه السياسيين، شملت العديد من القضايا بدءً من مواقفه تجاه الهجرة والأقليات، وحتى سياساته الخارجية، والتي شهدت انقلابا في بعض جوانبها، على غرار الانسحاب من الاتفاق النووي التي أبرمها سلفه باراك أوباما، أو التقارب غير المسبوق تجاه كوريا الشمالية.
ولعل الهزيمة الكاسحة لمرشحة الحزب الديمقراطى السابقة هيلارى كلينتون، أضفت بعداً ثأريا في سياسات الديمقراطيين تجاه الإدارة الحاكمة في السنوات الماضية، ربما لن يكون بعيدا عن المشهد الانتخابى، مما يضفى قدرا مما يمكننا تسميته بـ"الإثارة السياسية"، في ظل وصلات السخرية التي أطلقها المتنافسان في الأسابيع الماضية، ربما تحول المناظرة المرتقبة أشبه بـ"الدراما" في ظل الصدام المرتقب بين الرئيس وخصمه.
ربما أضفت الهزيمة غير المتوقعة التي تكبدتها المرشحة الديمقراطية السابقة هيلارى كلينتون، والتي كانت تصب كافة الاستطلاعات والتوقعات في صالحها، قدرا من "الدراما السياسية"، خاصة وأنها تعد أحد أبرز قيادات الحرس القديم داخل الحزب، بالإضافة لما تتمتع به من خبرات عميقة حصلت عليها بحكم مناصبها السابقة، وأخرها منصب وزيرة الخارجية في الولاية الأولى لأوباما، بالإضافة إلى كونها السيدة الأولى لـ8 سنوات كاملة في حقبة زوجها بيل كلينتون في أواخر التسعينات من القرن الماضى.
ولكن بعيدا عن البعد السياسى في الانتخابات الأمريكية، تبقى هناك أبعادا أخرى، لا يمكن تجاهلها بأى حال من الأحوال، ربما أهمها الارتباط الوثيق بين الحدث الهام، والعديد من المستجدات الدولية، والتي باتت ترتبط بشكل مباشر بالحياة اليومية لملايين البشر حول العالم، وعلى رأسها المخاوف الكبيرة المرتبطة بتفشى فيروس كورونا، وحالة الهلع جراء موجة ثانية محتملة، قد تدفع البشرية ثمنا باهظا لها، خاصة وأن العيون تبقى معلقة على المعامل ومراكز الأبحاث الأمريكية، أملا في الخروج بلقاح ينقذ مئات الألاف من الأرواح من موت محقق.
فعلى الرغم من محاولات مضنية تبذلها قوى أخرى، كالصين وروسيا وغيرهما، للوصول إلى لقاح من شأنه الخلاص من الفيروس القاتل، تبقى أمريكا، بإمكاناتها الاقتصادية والطبية والعلمية، أملا في نظر قطاع كبير من سكان العالم، للخلاص من الفيروس وإنقاذ الكوكب من فتكه، وهو الأمر الذى ربما يدفع نحو متابعة أكبر من قبل قطاعات أوسع من البشر، غير المهتمين بالسياسة، للمناظرات التي ستشهدها الانتخابات الأشرس في تاريخ أمريكا.