صلاح فضل يدافع عن العامية ويؤكد أن أم كلثوم أفادت اللغة العربية أفضل من آلاف المدرسين.. الناقد الكبير: اللهجات ليست ابنة حرام ولا تحتاج شهادات العلماء.. ويستشهد بالقراءات السبعة فى القرآن الكريم

الأربعاء، 09 سبتمبر 2020 11:55 ص
صلاح فضل يدافع عن العامية ويؤكد أن أم كلثوم أفادت اللغة العربية أفضل من آلاف المدرسين.. الناقد الكبير: اللهجات ليست ابنة حرام ولا تحتاج شهادات العلماء.. ويستشهد بالقراءات السبعة فى القرآن الكريم الناقد الكبير الدكتور صلاح فضل
حوار - أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يؤمن الناقد الكبير الدكتور صلاح فضل، بأن "النقد" ميراث النبوة، وأن وظيفة الفن هى التمثيل الجمالى للحياة، لذا قدم كتابه المميز "شعر العامية من السوق إلى المتحف» الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، والفارق فى هذا الكتاب، أن صلاح فضل الناقد الأدبى المعروف بعلميته ومناهجه وعضو مجمع اللغة العربية، يدافع عن النصوص الجيدة فى شعر العامية، على عكس المعروف بين الأكاديميين، فيخصص الكتاب لرواد القصيدة العامية «بيرم التونسى، وفؤاد حداد، وصلاح جاهين، والأبنودى»، ويكشف ما فى نصوصهم من فن وإبداع ومناسبة للحياة تستحق الدرس، وتستحق أن توضع فى متحف الفن.. وكان لنا هذا اللقاء مع الدكتور صلاح فضل. 
 

ما الذى قصده صلاح فضل من العنوان الفرعى للكتاب "من السوق إلى المتحف"؟

فيما يتصل بالعنوان «فقد أسىء فهم كلمة المتحف، لكننى أقصد أن السوق هو مكان الاستخدام اليومى والاستهلاك للمادة المقدمة بشكل طازج، وبعد فترة طويلة من التعامل تتحول هذه المادة إلى نموذج فنى راقى، يقدم قيما جمالية عالية، ويتميز بأنه إرث يصل للأجيال ويدخل فى دائرة الخلود المتحفية، وذلك ما حدث مع بعض النصوص فى الشعر العامى، فقد تميز بخواص فنية تستحق البقاء فى ذاكرة الأجيال مثل أعمال الفصحى الخالدة التى قاومت الأزمنة، وذلك لأن أرقى مستوى للشىء أن يصبح خالدًا ونموذجا للإبداع، وللعلم فإن ربط المتحف بالمومياوات ليس من خصائص المتحف، هذا شىء مغاير تمامًا.
 
شعر العامية
 

كيف لصلاح فضل الأكاديمى المتخصص فى النقد الأدبى واللغة العربية أن يكتب مدافعا عن العامية؟

درست فى الأزهر الشريف، وفى كلية دار العلوم، وفى إسبانيا، واطلعت على الأدب الأندلسى، وتشبعت بالفصحى ونصوصها بسبب القرآن الكريم والشعر العربى، ثم رأيت فى دراساتى كيف أن الأعمال الأدبية التى توظف بعض اللهجات تستحق الخلود، وقد كان نموذج الأدب الأندلسى ومنه الموشحات التى كتبت عنها، والتى تستخدم العامية أو اللغات الأجنبية فى خرجاتها الأخيرة أى نهاية أبياتها، كان هذا النموذج هو الذى أوحى لى بدراسة شعر العامية.
 
وأعتقد أننى درست النصوص العامية بطريقة مغيرة لما فعله أى شخص خاض فى هذا المجال قبل دراستى، فقد كانت الرؤية من قبل قائمة على احتقار النقد المعاصر للعامية، كما أنه لا يوجد مبرر لأن نقيم عداء بين العامية والفصحى.
ويجب القول إن الفصحى فى العربية لم تكن لغة التحدث سوى فترة قصيرة لا تتجاوز القرنين، وفى منطقة معينة من الجزيرة العربية، لكن قبل ذلك وبعده كان الباب مفتوحا للهجات، حتى أن القرآن الكريم كتب على سبعة أحرف مستخدما اللهجات العربية.
 

استخدم صلاح فضل مصطلح «حقيقة اللغة»..  ما الذى تعنيه بالضبط؟

ثنائية اللغة التى نعيش بها «الفصحى والعامية» لا تقتضى أبدا أن يقوم عداء بينهما، وأن إحداهما تقوم على جثة الأخرى، ومن يفعل ذلك فإنه يفكر بطريقة غير منطقية، فالفصحى لغة الكتابة، والعامية تتعلق بالنطق والكلام الشفاهى، ومبدعو العامية عندما يصلون إلى درجة من الجودة العالية فإنهم يستحقون الإشادة، لذلك أقمت صلحا بين العامية والفصحى، باعتبار العامية تمد الفصحى بالحيوية، والفصحى تمد العامية بالقوة والجمال، وهذا التقريب أدركه كبار العلماء من قبلى، لكن النقد لم يكن قد اتخذ موقفا صريحا. 
 

ما الذى أراده صلاح فضل بجملة «طبيعة اللغة»؟

تحدثت عن طبيعة اللغة وقصدت من ورائها طبيعة اللغات، ففى كل أنحاء العالم تميل اللغات إلى التشعب إلى لهجات طبقا للطبقات الاجتماعية والظروف الاجتماعية وغيرها من الأسباب، فمثلا اللغة اليونانية، هناك يونانيتان، قديمة مهجورة كتبت بها الفلسفة اليونانية التى أسست الفكر الغربى، ويونانية حديثة نعرفها الآن، وهى تختلف تماما عن القديمة، وحتى الإنجليزية تختلف بين القديمة التى كتب بها شكسبير واللغة الإنجليزية الحديثة.
 
وفى اللغة العربية لدينا ميزة عظمى، فاللغة القديمة نسبيا لغة «الشعر القديم مثل المعلقات والنصوص التراثية» لا تزال حية بسبب القرآن الكريم والشعر، وفى شعرنا العربى فإن معلقة امرئ القيس على سبيل المثال نجد بها كلمات كثيرة بها طزاجة المعاصرة مثل قوله «أغرك منى أن حبك قاتلى/ وأنك مهما تأمرى القلب يفعلى» مع أنها كتبت منذ 1500 عام.
 
أى أن اللغة العربية تعايشت مع الزمن، بالطبع هناك بعض الألفاظ «هجرت» وتفادها الاستعمال، لأن اللغة مثل الإنسان الحى بعض الخلايا تموت، لكن لحسن الحظ نسبة ما يموت فى اللغة العربية قليل جدا.
 
وأشير إلى تجربة خاصة، فأنا عضو فى «المجمع الملكى الإسبانى» وهناك يؤرخون للكلمات الكثيرة المستحدثة الدائمة التدفق بسبب الحياة، وهم أيضا يؤرخون للكلمات التى تموت، أى التى يتوقف الشعراء والكتاب والصحفيون عن استعمالها.

قلت إن بيرم التونسى الجد الحقيقى لشعراء العامية.. ألم تكن قبله محاولات أخرى؟

لم ينبت بيرم التونسى من فراغ، بل كان له سابقون منهم «عبد الله النديم» أحد كبار الثوريين فى نهاية القرن التاسع عشر، وكان يكتب الشعر والنثر بالعامية، لكن بيرم منذ بدايات القرن العشرين صار أشهر شعراء العامية، وقدر لشعره أن يرتقى على المستوى الفنى وأن يعالج قضايا متعددة، وأن يتغنى به المغنون فى بداية العصر الحديث، وبسبب الأغنيات وبسبب الصحافة، عاش شعره أكثر ممن سبقوه وأثر فيمن جاءوا بعده بقوة.
 

تحدثت عن وظيفة الفن.. هل يتحقق ذلك فى شعر العامية؟

هذا مصطلح استخدمته فى أحد كتبى، كنت أتحدث فيه عن الرواية، لكنه فى المجمل يحوز استخدامه فى الحديث عن كل الفنون، فهو ينطلق من زاوية المحاكاة التى تحدث عنها النقد اليونانى القديم، وإن كان قد قصرها على المسرح لكن لها أن تتحرك إلى جميع الفنون، طالما تحققت الخصائص الجمالية، التى نعبر عنها بالتقنيات الجمالية التى تضمن التأثير فى المتلقى، لأن فكرة الجمال تستدعى طرفين، أن يكون الشىء جميلا فى ذاته، وأن يدرك المتلقى هذا الجمال، وشعر العامية شديد التأثير فى القراء.
 

كيف تفسر أن بيرم التونسى كان تقدميا ثم تراجع فى بعض أفكاره؟

مر بيرم التونسى بمرحلتين، الأولى فى سنوات النفى فى باريس، فكان كلما وجد تقدما حضاريا افتقده فى مصر، وهذه خصيصة الوطنيين فى الغربة، وأنا عشت 18 عاما فى الغربية كنت لا أجد شيئا جميلا إلا تنازعنى أمران، الجمال به والمرارة من غيابه عن مصر.
 
وعندما عاد بيرم التونسى إلى مصر تغلبت عليه القيم الكلاسيكية وعبر عن الفكر السائد، ونسى مواقفه السابقة، وقد أردت بالإشارة إلى ذلك رصد تأثير الوسط الثقافى والبيئة فى تشكيل رؤية الفنان، وذلك ليس فى العامية فقط بل نجده كذلك عند أمير الشعراء أحمد شوقى وعند حافظ إبراهيم، وهو ما يمكن دراسته تحت عنوان «جدلية الأيديولوجيا بين المبدع والمتلقى».
 

كتبت عن أربعة شعراء فقط.. ألا يستحق مبدعو عامية آخرون الدراسة؟

كتبت عن أربعة شعراء، لكننى أشرت إلى سيد حجاب وجمال بخيت، وبالطبع هناك آخرون يستحقون الدراسة، فالاختيار هنا للتمثيل ليس إلا، الأجيال الجديدة فى شعر العامية تستحق الدراسة، وبالفعل لا يوجد ناقد من جيل الكبار اهتم بالعامية، وأريد أن أقول إننى شديد الاعتزاز بنوعية أخرى لم تأخذ حقها، وهم كتاب الأغانى سواء بالعامية أو الفصحى، وعلينا معرفة أن القراء إن كانوا يعدون بالآلاف فإن المستمعين ملايين، والأغنية تصل عن طريق العين والسمع وهما لا يعترفان بالأمية، وخير مثال فى ذلك أم كلثوم، فتغنيها بقصائد شوقى العظيمة أفاد اللغة العربية الفصحى أكثر من آلاف مدرسى اللغة العربية، وجعلت ملايين المستمعين فى كل الدنيا يتذوقون جمال اللغة ويعرفون رقة الإيقاع.
 

هل تحتاج العامية لشهادة النقاد وعلماء اللغة؟

العامية لا تحتاج إلى من يمنحها «الشرعية» وهى ليست لغة «ابنة حرام» فقد أخذت شرعيتها من الاستعمال وليس بشهادة العلماء، وأنا قد تجاوزت هذه الإشكالية، ولا أكتب عن العامية انتقاما من الفصحى، فأنا عضو مجمع اللغة العربية، ومعروف بتمكنى من الفصحى وكتابتى بها، فأنا ليس مشكوكا فى «قصدى وهدفى»، حتى أن أكتب عن العامية بلغة فصحى وبمنهج علمى، والدكتور شوقى ضيف، الذى ظل سنوات طويلة رئيس مجمع اللغة العربية، له كتب فى مسألة التقريب بيت الفصحى والعامية، لكن بطريقة مختلفة عما قمت به، فهو يريد أن يثبت فصاحة العامية.
 

متى نرى العامية تأخذ حقها فى الدرس الأكاديمى؟

أذكر أن إحدى طالباتى أرادت أن تقدم رسالة دكتوراه عن أحمد رامى فى جامعة عين شمس، فقال أحد الزملاء يجب أن تدرس شعر الفصحى، فرفضت ذلك، لأن رامى تميز بقدرته على أنه خلق بالتواطؤ مع أم كلثوم مستوى رفيعا من العامية فى اللغة والأخلاق والفن، حيث قالت أم كلثوم لأحمد رامى أريد أغنية مكتوبة بلغة «صحف» تسمعها أنت وأختك فلا تخجلان منها.
 
فى النهاية أقول كل الإبداعات القوية الجميلة المؤثرة من العامية لا بد أن تحظى باهتمام المفكرين والنقاد كى تضمن لها التأثير إلى جانب الخوالد من الفصحى.
 
اليوم السابع
 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة