أثار حظر مواقع التواصل الاجتماعى، وخاصة تويتر، للرئيس دونالد ترامب بعد أزمة اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول الأسبوع الماضى حالة من الجدل، وكشف بكل وضوح عن ازدواجية كبيرة فى فضاء وادى السليكون ومفاهيم متعددة للتحريض على العنف، رغم أن العنف واحد باختلاف أشكاله، وأثبت للجميع أن ما تفعله شركات السوشيال ميديا وما تتخذه من قرارات يتعلق بمصلحتها بالأساس دون أى اعتبارات لمصالح ومصائر شعوب ودول العالم الأخرى.
فحرية التعبير التى جعلها الغرب، بمؤسساته وفى مقدمتها مواقع التواصل الاجتماعى، الحجة التى يرفض بها مواجهة هادمى الدول العربية من إرهابيين وفوضويين، هى نفسها الحرية التى يتحركون ضدها الآن بقراراتهم المتتالية بحظر ليس فقط الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بل وأنصاره ومن يدافعون عنه مثل مستشار الأمن القومى الأسبق مايكل فلين والمحامية سيدنى باول إلى جانب عدد من الشخصيات المعروفة فى اليمين الأمريكية.
شركات السوشيال ميديا التى تحركت فى غضون ساعات من اقتحام الكونجرس، رفضت التحرك إزاء التحريض الواضح والصريح على العنف المتكرر والمستمر من قبل عناصر الإخوان فى مصر وفى الخارج، وتباطأت فى التعامل مع الدعاية الإرهابية لجماعات كثيرة فى مقدمتها داعش، بل كان لها دورا بارزا فى مساعدة الإرهابيين لمناشدة أنصارهم وتجنيد أتباع جدد دون أن تحرك ساكنا. ولم تكن السوشيال ميديا الأمريكية بعيدة عن هدم أوطان كثيرة بزعم الدفاع عن الحريات، لكنها لم تكن تدافع سوى عن مصلحتها بزيادة عدد الفولورز واللايكات.
وهناك جانب آخر، حيث يشير البعض إلى أن ربما يكون سببا فى تحرك المنصات الاجتماعية ضد الرئيس وأنصاره، وهو عدم منح الفرصة للتقدميين داخل الحزب الديمقراطى، الذى سيصبح مسيطرا على الحكم فى الولايات المتحدة خلال العامين القادمين مع فوز بايدن بالرئاسة وسيطرة الحزب على الكونجرس بمجلسيه، للمضى قدما فى مطالبهم بتفكيك تلك الشركات وفرض إجراءات تنظيمية أكبر عليها. وكان من بين هؤلاء المرشحة فى السباق التمهيدى للحزب الديمقراطى فى الانتخابات السابقة إليزابيث وارين،والتى لم تخفى يوما معاداتها لتلك الكيانات التى تحقق مكاسب هائلة دون أن تدفع ضرائب مناسبة لما تجنيه.
ومع هيمنة الديمقراطيين على السلطتين التنفيذية والتشريعية، وفى ظل معارك وتحقيقات عديدة تطول شركات السوشيال ميديا فى الكونجرس، ربما كان اتخاذها لخطوة حظر ترامب بمثابة هدنة مع الحكام الجدد، وإرضاء السياسيين وتهدئة غضبهم إزاء الدور المتزايد لهذه الشركات.
وكان اتحاد الحريات المدنية الأمريكى قد علق على حظر ترامب على تويتر، وقال فى تصريحات من مسئوليه لصحيفة نيويورك تايمز إن مصالح حرية التعبير المشتملة فى تعليق حساب ترامب على تويتر كانت معقدة. وقالت كيت راون، المحامية فى اتحاد الحريات المدنية، إنهم يتفهمون الرغبة فى تعليق الحساب بشكل دائم الآن، ولكن يجب أن يشعر الجميع بالقلق عندما تمارس شركات مثل فيس بوك وتويتر السلطات المطلقة لإزالة الأشخاص من المنصات التى أصبحت لا غنى عنها لمخاطبة المليارات.
هذه السلطة المطلقة ستضع شركات السوشيال ميديا خلال افترة المقبلة تحت المجهر، وربما تزيد الضغوط بمزيد من التنظيم لها وفرض رقابة أكبر عليها ونزع الحماية القانونية التى تتمتع بموجب القوانين الأمريكية. وقد ذكرت تقارير الصحف الأمريكية أن الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب ينوى بالفعل استغلال أيامه القليلة المتبقية فى الحكم لملاحقة هذه الشركات.