واحد تلو الأخر يرحل من جيل العظماء، الذين بنوا فترة نهضت فيها الثقافة والفنون وأسسوا لها، ليصبحوا جميعا علامات بارزة فى تاريخ الفن المصرى، فبرحيل الفنان الكبير هادى الجيار، يرحل جزءا مهما من تاريخ الدراما المصرية، حيث توفى منذ ساعات متأثرا بإصابته بفيروس كورونا عن عمر ناهز 72 عاما، خاصة وأنه كان يعانى من مرض القلب بعد إجراؤه لعملية قلب مفتوح، جعلت الفيروس اللعين يتمكن منه.
حمل الفنان الكبير الراحل هادى الجيار تاريخا فنيا ثريا يتجاوز 50 عاما، حيث لفتت موهبته أنظار أساتذته فى المعهد العالى للفنون المسرحية، فرشحوه لعدد كبير من الأعمال ليقدم فى بداياته وهو طالبا في المعهد عدة عروض مسرحية وسهرات تليفزيوينة، رغم أن دفعته في المعهد كانت بالكامل تتمتع بمواهب متميزة مثل "محمد صبحى ونبيل الحلفاوى ولطفى لبيب وشعبان حسين"، إلا أنه سبقهم فى بداياتهم.
رحل هادى الجيار أحد التلاميذ المشاغبين، ليلحق بالذين سبقوه وتواجدوا معه في المسرحية الشهيرة "مدرسة المشاغبين"، ليذهب للنجوم سعيد صالح وأحمد زكى ويونس شلبى وحسن مصطفى، حيث قدم الجيار دور «لطفى» في العرض الشهير، والذى كان البداية الحقيقية لدخوله عالم الشهرة ومعرفة الجمهور به، خاصة بعدما ظلت المسرحية تعرض لسنوات طويلة في مصر وخارجها، رغم أنه شارك في العديد من الأعمال الفنية قبل هذا العرض منها مسرحية "القاهرة فى ألف عام"، ومسلسل "القاهرة والناس"، عام 1972.
في حوار سابق له، اعترف هادى الجيار، أن مسرحية "مدرسة المشاغبين"، ساعدته كثيرا في معرفة الجمهور به، وأكد أن ترشيحه للعرض كان من النجم الكبير عادل إمام، عندما ألتقاه صدفة في مكتب المخرج محمد فاضل، حيث كان يتواجد الزعيم في مكتب المخرج الكبير للإتفاق معه على شغل يُعرض على شاشة التليفزيون، وكان يتقاضى منها 15 جنيها شهريا.
بعد مسرحية "مدرسة المشاغبين"، كان الفنان هادى الجيار هو الأقل حظا في نجوم العرض، خاصة بعدما أتجه جميعهم للسينما ولمعوا فيها، وعن هذا الأمر قال الجيار نفسه، إنه لا يملك إمكانيات سعيد صالح وعادل إمام ويونس شلبى، حيث كان يرى أنهم لديهم إمكانيات تؤهلهم للسينما، وبالأخص في اللون الكوميدى، والذى كان منتشرا خلال فترتى السبعينات والثمنينات، فلم تتخطى إجمالي مشاركاته السينمائية الـ 5 أفلام منها "ثم تشرق الشمس، احترس عصابة النساء، رحلة المشاغبين".
ظل خلال هذه الفترة هادى الجيار فى الدراما التليفزيوينة يتنقل من مدرسة إخراجية لأخرى ويبدع من دور لأخر، حيث عمل في مسلسلات مهمة مع صناع الدراما الكبار أمثال محمد جلال عبد القوى وأسامة أنور عكاشة ومجدى أبو عميرة، ليشارك في مسلسلات مثل "المال والبنون" بجزأيه للكاتب محمد جلال عبد القوى، والمخرج الكبير مجدى أبو عميرة، و"سوق العصر"، للكاتب محمد جلال عبد القوى، والمخرج هانى إسماعيل،و"الراية البيضا"، للكاتب أسامة أنور عكاشة"، والمخرج الكبير محمد فاضل، و"مازال النيل يجرى"، للكاتب أسامة أنور عكاشة، والمخرج الكبير محمد فاضل،و"أبناء ولكن"، للمخرج رضا النجار، و"العصيان" تأليف سلامة حمودة، للمخرج أحمد السبعاوى، ومن مشاركاته على مدار الـ 10 سنوات الأخيرة "كفر دلهاب"، و"شارع عبدالعزيز"، و"سلسال الدم"، و"أبو ضحكة جنان"، و"الملك فاروق"و"حق ميت"و"الأسطورة"و"الأب الروحى"، وغيرها من الأعمال.
تفوق وتميز هادى الجيار في جميع الأدوار التي قدمها، وبالأخص في مسلسلات مثل "المال والبنون" بشخصيته الشهيرة "منعم الضو"، أو "برهامى المغازى" في "سوق العصر" أو عثمان الغرباوى في "العصيان"أو سيد العربى في "الراية البيضا"، كانت بسبب عمله مع كبار محترفى الدراما التليفزيوينة أمثال أسامة أنور عكاشة ومحمد جلال عبد القوى ومجدى أبو عميرة ومحمد فاضل وغيرهم من الذين يرسمون الشخصيات رسما دقيقا، وكذلك قربه من جميع الشخصيات التي يقدمها، وهنا أقصد ملامحه الداخلية والخارجية وقدرته على الإنغماس في التفاصيل المحيطة بكل شخصية لذلك بدا عليه التميز في كل الأدوار التى قدمها.
كان هادى الجيار راضيا بشدة عن كل محطاته الفنية، وعن المكانة الفنية التي وصل إليها، فلم يكن طامحا في البطولة المطلقة أو طامعا فى الحصول على لقب نجما، ولكنه كان يدرك أن البطولة هي الإجادة والتميز في الدور الذى يُسند إليه أيا كان حجمه، لأنه كان لا يعترف بالبطولة المطلقة في كثير من تصريحاته، فقد كان يعلق دائماً، أن الحياة ليست فيها بطلا واحدا، ولكن فيها مجموعة أبطال يكملون بعضهم البعض، حيث كل منهم يؤدى دورا معين فى هذه الدنيا".
أدرك الجيار أن كلما كان الدور الذى يلعبه قريبا من الناس ويناقش موضوعا يمسهم، وحكايات تتواجد وتعيش بينهم وتتلامس معهم، سيعيش لأعوام قادمة، لأن الجمهور لا ينسى نفسه أو حكايته عندما تتجسد على الشاشة، رحل هادى الجيار ولن ترحل أدواره من ذاكرة الجمهور أو حتى من تاريخ الدراما المصرية، بل ستظل إبداعاته تبهر مشاهديه على الشاشات.