بيشوى رمزى

أحزاب "المنشقين"

الأربعاء، 13 يناير 2021 05:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الانشقاقات الحزبية صارت بمثابة "موضة" سياسية جديدة، تشهدها العديد من الدول حول العالم في الآونة الأخيرة، تبدو بجلاء في العديد من المشاهد الدولية، التي باتت تهيمن على الساحة السياسية، في ظل محاولات الساسة للقفز من "السفن" الغارقة، على أشلاء أحزابهم، التي قتلها الغضب الشعبى العارم جراء الالتزام بمعايير يراها القطاع الأكبر من الشعوب قد عاف عليها الزمن، بسبب ما آلت إليه من متاعب يتكبدها المواطن يوما بعد يوم، وهو ما أسفر عن اختيارات غير تقليدية في السنوات الأخيرة، عبر الصناديق، تجاوزت التوقعات الطبيعية التي تذهب إليها مختلف الاستطلاعات، والتي تقوم في الأساس على المعايير التقليدية التي طالما تبناها النظام الدولى.

مظاهر التغيير الذى يشهده العالم على ما يمكننا تسميته بـ"انقلابات" الشعوب على الهياكل الحزبية، تجلت عبر اختياراتهم، سواء لأشخاص لا يحملون مرجعيات حزبية، أو للشخصيات الحزبية التي تحمل رؤى معارضة للتقليدية السياسية التي طالما تبنتها القيادات التقليدية للأحزاب، وهو ما بدا على سبيل المثال في اختيار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 2016، رغم انعدام خبرته السياسية، حيث اختاره الناخبون لأنه فقط يحمل رؤى مخالفة للقوالب السياسية الأمريكية، سواء في صورتها العامة على مستوى السياسات الوطنية، أو على مستوى الداخل الحزبى، باعتباره معارضا لتيار الصقور، الذى يعد الجناح الأقوى داخل الحزب الجمهورى.

وعلى الرغم من خسارة ترامب للانتخابات الرئاسية الأخيرة أمام منافسه الديمقراطى جو بايدن، يبقى ظهيره الشعبى قويا إلى حد كبير، وهو ما يظهر في حصوله على ملايين الأصوات، كشفت عن انقسام حاد داخل الأمة الأمريكية، دفعت إلى انقسام أخر داخل الحزب الجمهورى، حيث تولد عنه ميلاد تيار جديد، يمكننا تسميته بـ"جناح ترامب"، يحمل توجها مناوئا لـ"الصقور"، ربما يحاول من خلاله أنصار الرئيس المنتهية ولايته الاستناد إلى ظهيره الشعبى لحماية مستقبلهم السياسى، وهو ما يبدو واضحا في موقف وزير الخارجية مايك بومبيو الداعم للرئيس رغم ميوله "الصقورية"، وبالتالى تنافر التوجهات في الكثير من الأحيان، وهو الموقف الذى يتعارض مع مواقف أخرين، من بينهم مسئولين في الإدارة الحالية قرروا التخلي عن رئيسهم، احتفاظا بمواقعهم في التيار التقليدي.

إلا أن الصورة الجديدة لم تقتصر على مجرد اختيارات التيارات المعارضة داخل الأحزاب الكبيرة، وإنما امتدت إلى ما يمكننا تسميته بحالة "الميل" الشعبى نحو المنشقين عن أحزابهم، باعتبارهم رموزا يمكن النظر إليهم نماذج "الثورة" على حالة التقليدية السياسية، التي تشهدها السياسات الدولية، سواء على مستوى سياساتهم الداخلية أو أجنداتهم الدولية، وهو ما يبدو في الشعبية الكبيرة التي بات يحظى بها القطاع الأكبر من الساسة الذين قرروا الخروج عن أحزابهم، سواء بتشكيل كيانات جديدة، ربما تحمل توجهات مشابهة لأحزابهم القديمة، في الكثير من الأحيان، أو التوجه نحو الاستقلالية بعيدا عن تمثيل أية أحزاب.

ولعل النموذج الأخير يظهر بوضوح في العديد من دول أوروبا الغربية، على رأسها فرنسا، والتى شهدت انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسا في 2007، تحت راية حزب وليد، وهو "فرنسا إلى الأمام"، رغم تاريخه الكبير في الحزب الاشتراكى، والذى وصل من خلاله إلى العديد من المناصب، أبرزها وزير الاقتصاد في حكومة الرئيس السابق فرنسوا أولاند، إلا أنه آثر الاستقالة في 2016، ليؤسس حزبا جديدا يقوده في نهاية المطاف لعرش "الإليزيه" على إثر انهيار شعبية الاشتراكيين جراء سياسات أولاند، والتي دفعته لعدم خوض انتخابات 2017، لإدراكه خسارته مبكرا.

الموقف نفسه ينطبق على المشهد البريطاني، وإن كان بصورة مختلفة، قبل الانتخابات البرلمانية المبكرة، التي قررها رئيس الوزراء بوريس جونسون، حيث خسر حزب المحافظين أغلبيته في البرلمان السابق بفضل الانشقاقات، إلى الحد الذى شكل ميلاد حزب جديد، تشكله الانشقاقات بين حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا وكذلك منشقى حزب العمال، إثر تنافر المواقف تجاه مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبى "بريكست" بما يمكننا تسميته بـ"حزب المنشقين"، والذى بات يمثل تهديدا حقيقيا للسلطة، مما دفع جونسون إلى استغلال زخم الإطاحة برئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماى ليعلن عن انتخابات مبكرة، مكنته من العودة إلى السيطرة على مقاعد البرلمان من جديد.

وهنا يمكننا القول بأن المشهد السياسى الدولى ربما اختلفت معاييره بصورة كبيرة، فأصبح "المنشقون" عن القوالب الحزبية التقليدية يمثلون كتلة قوية في الشارع العالمى، وهو الأمر الذى ينبغي يمثل نقطة فارقة مهمة في تاريخ السياسة الدولية.

 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة