حالة من الجدل تدور حول مستقبل الحزب الجمهورى في الولايات المتحدة، بعد حملات التشويه التي يقودها الحزب الديمقراطى، لعزل الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، باتهامات تتعلق بإثارته الفوضى، في البلاد، بعدما دعا المحتجون إلى التظاهر أمام مقر الكونجرس، تزامنا مع جلسة التصديق على فوز خصمه الديمقراطى جو بايدن، بالانتخابات الرئاسية التي أجريت في نوفمبر الماضى، وهى النتائج التي طالما شكك ترامب في مصداقيتها، مؤكدا أن ثمة شبهات كبيرة، دفعت نحو خسارته للمعترك الانتخابى الأشرس في تاريخ بلاده، وهو ما يعد أمرا غير مسبوق في التاريخ الأمريكي، فضلا عن كونه الخطوة الأولى في تقويض مبادئ الديمقراطية العتيدة، التي تغنت بها واشنطن لعقود، وكانت سببا رئيسيا في قيادتها للعالم.
ولعل إجراءات عزل الرئيس الأمريكي، قبل أيام معدودة من نهاية ولايته، غير مؤثر بصورة كبيرة على المدى القصير، وإنما يحمل تداعيات ربما متوسطة، تتمثل في تقويض احتمالات إقدام ترامب على الترشح مجددا للرئاسة في الولايات المتحدة، في 2024، وهو ما ألمح إليه في كلمة له، بمناسبة الاحتفال بعيد الميلاد، عندما أصر على أحقيته باستكمال رئاسته بولاية ثانية، وإن لم يكن "سنلتقى بعد أربعة سنوات"، في إشارة غير مباشرة لاحتمال خوضه الانتخابات الرئاسية مجددا في عام 2024، في انعكاس صريح لثقته في شعبيته الكبيرة التي حظت بها سياساته وأفكاره، في الوقت الذى يثور فيه قطاع كبير من الأمريكيين على السياسة التقليدية، سواء داخل الأحزاب، أو على مستوى السياسات الوطنية الكلية التي تبنتها الإدارات المتلاحقة.
أما على المدى الطويل، فتبقى أفكار ترامب بمثابة "الكابوس" الذى يهدد أنصار السياسة التقليدية، في الولايات المتحدة، حيث كان انتصار الرئيس المنتهية ولايته، بالانتخابات الرئاسية في 2016، على حساب سياسية مخضرمة بحجم هيلارى كلينتون، يرجع في الأساس لخروجه عن "القوالب" التقليدية سواء للرؤى الحزبية، أو السياسات العامة، وهو ما يبدو في مواقفه من الهجرة والتجارة الحرة، وكيفية التعامل مع القضايا الداخلية أو الدولية التي ترتبط مباشرة بمصلحة المواطن الأمريكي، وهو ما ساهم ليس فقط في زيادة شعبيته بصورة كبيرة، ولكن أيضا في وضع المزيد من الأثقال على كاهل خليفته، الذى أصبح بين مطرقة الغضب الشعبى حال فشله في الخروج عن الإطار التقليدي و سندان الانقلاب على المعايير الحزبية التي طالما تبناها الديمقراطيون.
وهنا يثور التساؤل حول ما إذا كان هناك بديلا، لدى الحزب الجمهورى، أو بالأحرى "التيار الموالى لترامب"، حال نجاح الديمقراطيين في عزل الرئيس المنتهية ولايته سياسيا، عبر منعه من القيام بدور سياسى في المستقبل، من خلال منعه بخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024، وهو الأمر الذى يثير انقساما كبيرا في الداخل الحزبى، في ظل وجود قطاع كبير من "الصقور"، الذين تخلوا عن الرئيس في معاركه السياسية مؤخرا، وعلى رأسهم مستشار الأمن القومى جون بولتون، وقطاع أخر من المسئولين الذين أعلنوا استقالتهم من الإدارة على خلفية أحداث اقتحام الكونجرس في 6 يناير الجارى.
مايك بومبيو.. "صقورى يحتمى بإرث ترامب
يبدو أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أحد متصدرى المشهد الجمهورى، في الولايات المتحدة، من فريق "أبناء ترامب"، خاصة وأن الرجل سبق وأن أعلن ولائه للرئيس، في كلمة أدلى بها لأعضاء الكونجرس من الجمهوريين، معربا عن امتنانه للفترة التي قضاها داخل أروقة الإدارة، ليس فقط على مستوى الملفات الدولية التي يعد المسئول الأول عنها، وإنما أيضا على المستوى العام، في ظل النجاح المنقطع النظير الذى حققته الإدارة فيما يتعلق بتحقيق مصالح المواطنين الأمريكيين، والذى يمثلون الأولوية الرئيسية في كافة السياسات التي تبناها الرئيس المنتهية ولايته.
مايك بومبيو
موقف بومبيو، رغم تاريخه "الصقورى" داخل الحزب الجمهورى، بالإضافة إلى تهميش دوره بصورة كبيرة تجاه العديد من القضايا الدولية، يمثل إدراكا واسعا لحقيقة مفادها أنه حتى في حالة العزل السياسى لترامب، تبقى أفكاره "لا تموت"، وبالتالي يبقى بقائه في دائرة الضوء، مرهونا بدعمه للأفكار التي تبناها الرئيس، في ضوء الكتلة الكبير المؤيدة له، سواء داخل الحزب الجمهورى، أو في الشارع الأمريكي بشكل عام، وهو ما ترجمته مظاهرات الغضب التي اندلعت، ليس فقط أمام الكونجرس، ولكن منذ الإعلان عن خسارته أمام بايدن في نوفمبر الماضى.
مايك بنس.. رجل دولة ذو توجهات استثنائية
إلا أن بومبيو ليس المراهن الوحيد على إرث ترامب، فهناك نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، أحد أبرز الوجوه، التي تلقى قبولا كبيرا في الشارع الأمريكي، باعتباره شخصية مؤثرة إلى حد كبير في القرارات التي اتخذتها الإدارة المنتهية ولايتها، بالإضافة إلى نجاحه في حصد قدر وافر من احترام خصومه الديمقراطيين، بعد إدانته الصريحة لأعمال العنف التي شهدها محيط الكونجرس الأمريكي أثناء جلسة التصديق على فوز بايدن، بالإضافة إلى رفضه الانصياع لأوامر ترامب بتقويض فوز خصمه الرئاسي، خلال قيادته للجلسة، وتأكيده على احترام القسم الذى أدلى به قبل أربعة سنوات باحترام الدستور الأمريكي.
مايك بنس
وبالرغم من موقف بنس الذى لم يلقى قبولا من قبل ترامب، إلا أنه نجح باقتدار على تحقيق قدرا كبيرا من التوازن، حيث أنه رفض التخلي عن الرئيس، بعدما دعاه الديمقراطيين لقيادة البلاد، بعد عزل الرئيس، مؤكدا، في رسالة بعث بها إلى رئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسى، والتي تعد ألد خصوم ترامب، أن مثل هذه الخطوة من شأنها تعميق الانقسام في الشارع الأمريكي، ليمثل بنس دور "التيار الوسط" داخل الحزب الجمهورى، وهو التيار الذى يجمع بين السياسة غير التقليدية، باعتباره "رأس حربة" في إدارة الرئيس الاستثنائى، وكذلك رفضه التام لمحاولة عزله، بينما ظهر فى الوقت نفسه في صورة "رجل الدولة" الذى يحترم التقاليد الدستورية، عبر عدم الامتثال للضغوط التي مورست عليه من قبل الإدارة لإفساد فوز الرئيس المنتخب.
الحسناء إيفانكا.. رهان الشباب والمرأة
أما الوجه الثالث الذى يبدو مرشحا لتمثيل مستقبل الجمهوريين، هو إيفانكا، ابنة الرئيس المنتهية ولايته، والتي ربما ساهمت بدور بارز في حقبة والدها بحكم وظيفتها كمستشار في البيت الأبيض، بالإضافة إلى كونها زوجة لمستشار أخر، وهو جارد كوشنر، والذى لعب دورا رئيسيا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بإسرائيل.
إيفانكا ترامب
كانت تقارير صحفية قد كشفت أن إيفانكا تفكر في خوض العمل السياسى بعد خروج والدها من البيت الأبيض، مؤكدة حماستها للعمل داخل أروقة الحزب الجمهورى، وهو الأمر الذى يؤكد ما كشفته تقارير سابقة حول نيتها الترشح للرئاسة في المستقبل، وهو ما قد يلقى دعما كبيرا من قبل الشباب، وكذلك المتطلعين لدور أكبر للمرأة ودعم دخولها للبيت الأبيض في المستقبل القريب.