ربما تكون قصة الشاب «قمصان» هى الأبرز مؤخرا فى عالم السوشيال ميديا، لأنه اشتهر قبل أن ينكشف كذبه وتزييفه، لكنه ليس حالة خاصة، ولا هو أول أو آخر حالات التلاعب بمشاعر الجمهور، واحتلال التريند بقصة وهمية طوال شهور، بادعاء الإصابة بالسرطان.
«قمصان» نموذج لكثيرين أصبحوا يعرفون أن مجتمع السوشيال ميديا من السهل اختراقه والضحك عليه، من خلال المشاعر الإنسانية وبناء صورة وهمية، كأنها حقيقية، بينما هى مجرد كذب تمت صياغته افتراضيا.
«قمصان» نجح فى جذب عشرات الآلاف من المتابعين، وتحول إلى تريند، وسوف تكشف التحقيقات عما حصل عليه من أموال، أو تبرعات مقابل كل هذا العطف، وقد توصل إلى هذه الحيلة لأنه درس حالات متعددة لنصابين نجحوا فى خداع جمهور واسع من دون أن يتم القبض عليهم، ولا يحتاج النصاب من هؤلاء لأكثر من قدرة تمثيلية وقوالب جاهزة، تماما مثلما يفعل المتسولون فى الشوارع، ممن يخترعون كل يوم طريقة جديدة تمكنهم من كسب تعاطف الجمهور وفتح جيوبهم.
لكن قصة «قمصان» لا تتعلق فقط بكيفية كسب تعاطف الجمهور مع قصص مزيفة، بل تتعلق بحالات وقصص كثيرة تنجح فى جذب الاهتمام، بالرغم من تفاهتها، بينما تتوارى القصص والموضوعات الطبيعية، مع الأخذ فى الاعتبار أن الجمهور يفضل الحكايات الجذابة، ومن الصعب، حتى على الخبراء فى عالم التواصل، أن يواجهوا المزيفين، وحتى قصة «قمصان» استغرق العارفون بالحقيقة وقتا ليثبتوا وجهة نظرهم، ويقنعوا الجمهور بأن الشاب مجرد نصاب يتاجر بمرض، أو بقصة إنسانية وهمية.
لقد أصبحت عملية «صناعة فرقعة»، أو تريند، هى اللعب على مشاعر الجمهور أو قطاع واسع منه، ليس فقط فى قصة «قمصان» لكن فى أغلب الموضوعات التى تفرض نفسها، ومراجعة بسيطة لتريندات الأسابيع الماضية تشير إلى أن الموضوعات تعلقت إما بمقطع من حوار يتضمن قصة لافتة، أو شكوى، أو تعليقا يتضمن شتيمة، أو ربما فتوى غريبة طائفية أو عنصرية، وأحيانا دمعة من متحدث أو غيره، لا فارق هنا بين السياسة أو المجتمع والفن، بشرط أن تكون بلا معنى، ولا مضمون.
بالعودة إلى صناعة التريند، يبدو الجمهور شريكا أصيلا، لأنه يسير بلا تفكير خلف كل ما يتم تشييره، لكن الجمهور العام لا يستحق لوما كثيرا، بقدر ما يستحقه هؤلاء الذين يفترض أن عملهم يتطلب التدقيق والتحليل والتأكد من القصص قبل نشرها.
لقد أصبح قطاع من الإعلام والبرامج، يسير خلف التريند بلا وعى ولا تفكير، رغبة فى كسب جمهور السوشيال ميديا، مع أنه جمهور متقلب، يتحول وينقلب بسرعة مثلما يتعاطف بسرعة أيضا، مع الأخذ فى الاعتبار أن مواقع التواصل، مثل «فيس بوك» و«تويتر» وغيرهما، تزعم أن لديها معايير للنشر، وأنها تمنع الموضوعات الوهمية والأكاذيب، لكن هذه المواقع تغلق وتعلق وتعاقب صفحات بزعم انتهاك قواعد النشر، ويكون هذا بسبب كلمة أو صورة، لكن المواقع ذاتها توثق صفحات النصابين، وتدعم الصفحات الفردية حتى لو كانت تنشر الخرافة، أو حتى العنف والكراهية.
وخلال الفترة ذاتها، التى تنتشر فيها التريندات الوهمية التافهة، يتم حجب صفحات طبيعية، بما يشير إلى أن هناك نوعا من الرقابة المزدوجة، تمنع الجاد وتسمح وتروج للتافه، فيما يبدو أحيانا هدفا أو رغبة للقائمين على عالم التواصل الاجتماعى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة