مع دخول لبنان يومه الثالث من مرحلة الإغلاق الشامل التى بدأها الخميس الماضى كأحد إجراءات كبح جماع فيروس كورونا، لا يزال تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة قاب قوسين، وطريق خروجها للنور متعثرا منذ تفاقم الأزمة السياسية عقب انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي، الذي دفع حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة حسان دياب، للاستقالة، وبعد أن لاحت فى الأفق أجواء إيجابية أكدها سعد الحريرى بعد 14 لقاءً جمعه مع الرئيس اللبنانى ميشال عون فى قصر بعبدا ، حيث سبق أن أعلن فى تغريدة عبر حسابه الرسمى على تويتر، قائلا: "اللقاء مع عون كان إيجابيا واللقاءات ستكون متتالية للخروج بصيغة حكومية قبل عيد الميلاد" وكشف رئيس وزراء لبنان المكلف سعد الحريري، أنه قدم للرئيس اللبناني ميشال عون تشكيلته الوزارية الجديدة، المكونة من 18 وزيرا، مشيرا إلى أن الرئيس عون وعده بدراسة التشكيلة، إلا أن تلك الآمال ذهبت أدراج الرياح ، فعيد الميلاد جاء وانقضى منذ 10أيام والأمور لا تزال معلقة وتشكيل الحكومة عاد لـ "المربع فر" مرة أخرى!
أسباب التعثر
بعض الساسة اللبنانيين والمراقبين للشأن اللبنانى أكدوا أن مازال الخلاف على عدد من الحقائب بين الحريرى وعون ومن خلفه جبران باسيل الذى يقود التيار الوطنى الحر، وكان الحريري قد صرح بإنه قدم لعون، تشكيلة حكومية من 18 وزيرا من أصحاب الاختصاص، بعيدا عن الانتماء الحزبي المباشر، إلا أن عون أعلن اعتراضه على "تفرد" الحريري بـ"تسمية الوزراء، خصوصا المسيحيين، دون الاتفاق مع رئاسة الجمهورية.
وعلى الجانب الآخر أكد مراقبون أن التأخر فى تشكيل الحكومة على انتظار تولى الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن والذى من المنتظر أن تحمل سياساته الخارجية كثيرا من التغييرات ما سينعكس حتما على الملف اللبنانى، حزب الله ومن خلفه حليفته إيران يحاولون خلق العقبات لاستهلاك الوقت حتى يتولى جو بايدن مقاليد الحكم الأمريكى أملا منهم فى التوصل إلى تفاهمات مع الإدارة الأمريكية الجديدة، تضمن لهم كسب المساومات المتوقعة بين واشنطن وطهران مقابل الضغط بورقة حسم ملف الحكومة اللبنانية.
أكد نائب رئيس مجلس النواب اللبناني إيلي الفرزلى، ضرورة بذل كافة الجهود الممكنة من أجل إخراج لبنان من الأزمات التي يعاني منها، وخصوصا الأزمة المتعلقة بتشكيل الحكومة الجديدة، والتى بات حلها ضرورة ملحة، وقال الفرزلى إن المصلحة العليا للبنان تقتضي بتشكيل الحكومة الجديدة في أقرب وقت ممكن.
ويسود التعقيد مسار تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة في ظل خلافات القوى السياسية المعنية بالتأليف الحكومي وعدم الاتفاق في ما بينها، لا سيما بين رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي (التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل) من جهة ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري من جهة أخرى، وذلك حول توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف وحجم الوزارات التي سيحصل عليه كل فريق ونوعيتها والأسماء التي ستشغل الحقائب.
رؤى الفرقاء السياسيين للحكومة الجديدة
يسعى سعد الحريري إلى تشكيل حكومة تكنوقراط غير سياسيين لا يتقيدون بالتمثيل الحزبي الضيق المكافيء لتوزيع الكتل النيابية في البرلمان. ويرى الحريري أن حكومة الخبراء ستكون كفيلة بإقناع المجتمع الدولي بأنها محايدة وغير خاضعة لسلطة السياسيين وبالتالي ستصبح أكثر قدرة على تنفيذ إصلاحات ضرورية لإعادة هيكلة الجهاز الإداري ومكافحة الفساد فيه.
عون والحريرى وبرى
وعلى الجانب الآخر يرى جبران باسيل وزير الخارجية الأسبق وزعيم التيار الوطني الحر أن لا أساس لأى حكومة لا تكون ممثلة عن الكتل البرلمانية وبما أن تيار باسيل له الكتلة البرلمانية الأكبر، فيرى من وجهة نظره أحقية أعضائه بثلث الحقائب الوزارية وبذلك يكون له حق الفيتو على كافة قراراتها، وأمام رفض الحريرى طالب باسيل بحقيبتى الداخلية والعدل بديلا عن"لثُلث المُعطِّل"، وهو مارفضه الحريرى أيضا باعتباره نسفا لمبدأ تدوير الحقائئب الوزارية .
جبران باسيل رئيس التيار الوطنى الحر
خلاف على توزيع الحقائب
ومن جهة ثالثة لا يزال الخلاف على توزيع الحقائب بين الكتل السياسية عاملا معطلا أمام تشكيل الحكومة ، فكل فريق يريد تسمية الوزراء المنتمين للطوائف التي يمثلها، فمن جانبه تمسك الثنائي الشيعي – حزب الله وحركة أمل- بحقيبة المال للشيعة، و تعيين وزير درزى من الفريق المقرب منهم.
ومن جانبه تدخل البطريرك المارونى ماربطرس الراعى فى محاولة لحلحلة الازمة بين الحريرى والتيار الوطنى الحر، وهو الذى طرح من قبل أشهر وثيقة حياد لبنان الداعية لإخراج الدزلة من فلك التجاذبات الإقليمية وبالطبع أولى الخطوات للوصول إلى تشكيل حكومة بالمواصفات التى دعمها المجتمع الدولى مقابل منح لبنا المساعدات المطلوبة لتجاوز أزمته الاقتصادية.
وللأسف لم تسفر جهود "الراعى" حتى اللحظة عن نتائج إيجابية يمكن ترجمتها على صعيد تذليل عقبات تأليف الحكومة العتيدة ، وقد سبق أن قام الراعى فى نوفمبر الماضى بزيارة بابا الفاتيكان ووفق معلومات تناقلتها وسائل الإعلام اللبنانية ، فإن البطريرك الراعي أعرب للبابا عن هواجس اللبنانيين والخوف الذي ينتابهم من ضياع النموذج اللبناني للعيش الواحد بين الأديان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة