تحل االيوم الثامن عشر من شهر يناير ذكرى تولى الشيخ محمد مأمون الشناوى مشيخة الأزهر الشريف، والتى كانت في (2 من ربيع الأول 1367هـ = 18 من يناير 1348م)، واستقبل رجال الأزهر نبأ تعيينه استقبالا طيبا.
المولد والنشأة
وُلد محمد مأمون الشناوي في (11 من شعبان 1295هـ = 10 من أغسطس 1878م)، في قرية "الزرقا" بمحافظة "الدقهلية"، ونشأ في بيت علم وصلاح، فأبوه كان عالمًا جليلا معروفًا بالتقوى والصلاح، وأخوه الأكبر سيد الشناوي تخرج في الأزهر، وعمل بالقضاء الشرعي، وترقى في مناصبه حتى أصبح رئيسًا للمحكمة العليا الشرعية.
وبعد أن أتم حفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة التحق بالأزهر، وانتظم في حضور حلقات العلم التي تُعقد في أرجائه، غير أن الطالب الصغير فاجأه أسلوب التعليم بالأزهر، ودراسة المتون، والشروح والحواشي والتقارير؛ فضاق بكل هذا، ولم يحتملها عقله فأعرض عنها، وقرر أن يعود إلى بلدته ويهجر الدراسة، غير أن أباه هدأ من روعه، وبثّ فيه الثقة، فعاد إلى الدراسة، وواصل التعليم في جد ومثابرة، فانفتحت له مغاليق العلوم، وفهم ما كان غامضًا؛ حتى صار موضع رضا شيوخه وأساتذته. واتصل بالإمام محمد عبده والشيخ أبي الفضل الجيزاوي، ولقي منهما كل رعاية وتشجيع، حتى حصل على شهادة العالمية سنة (1324 هـ = 1906م).
وبعد التخرج عُين مدرسًا بمعهد الإسكندرية الديني الذي كان قد أنشئ في سنة (1321 هـ = 1903م). واتبع التعليم فيه نظام التدريس في الجامع الأزهر، ثم نُقل إلى العمل قاضيًا بالمحاكم الشرعية، ولم يمنعه جلال المنصب من المشاركة في العمل الوطني إبان ثورة 1919م، التي عمَّ لهيبها البلاد، وأجَّجها حماس الناس ووطنيتهم، ثم اشترك مأمون الشناوي في إشعال الثورة بلسانه وقلمه؛ فكان يرتجل الخطب الحماسية في المساجد والكنائس والمنتديات، وينظم المظاهرات ويمشي في طليعتها، ويكتب المقالات في الصحف والمجلات.
ثم اختير إمامًا للسراي الملكية، وظل به خمس سنوات، وكان يُراعى فيمن يتولى هذا المنصب غزارة العلم وسعة الأفق، وأن يكون محل تقدير واحترام، ثم عُيِّن في سنة (1349هـ = 1930م) شيخًا لكلية الشريعة؛ فكان أول من تولى مشيختها في تاريخ الأزهر، وقد نجح في قيادة كليته وتنظيم الدراسة بها، ثم نال في سنة (1353هـ = 1934م) عضوية "جماعة كبار العلماء"، وكانت أكبر هيئة علمية شرعية في العالم الإسلامي، ولا ينال شرف عضويتها إلا الجهابذة من علماء الأزهر، وممن عُرفوا بسعة العلم والمعرفة، ثم عُين في سنة (1364هـ = 1944م) وكيلا للجامع الأزهر، ورئاسة لجنة الفتوى بالجامع الأزهر.
قبل المشيخة
ولما تُوفِّي الإمام الأكبر محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر سنة (1365هـ = 1945م) اتجهت الأنظار إلى ثلاثة من كبار علماء الأزهر؛ ليكون أحدهم شيخًا للجامع الأزهر، والثلاثة هم: محمد مأمون الشناوي، وإبراهيم حمروش الذي تولى مشيخة كلية الشريعة بعد الشناوي، والشيخ عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية، رئيس جماعة كبار العلماء، غير أن الملك فاروق لم يكن راغبًا في تولي أحدهم المشيخة، وتطلع إلى شيخ جليل هو مصطفى عبد الرازق ليتولى منصب المشيخة، وهو جدير بالمنصب لعلمه وفضله، لكن تعيينه في هذا المنصب مخالف لقانون الأزهر الذي ينص على أن يكون اختيار شيخ الجامع الأزهر من بين "جماعة كبار العلماء"، ولم يكن مصطفى عبد الرازق حينئذ عضوا في تلك الجماعة المرموقة.
وحاولت الحكومة المصرية آنذاك تعديل قانون الجماعة بحيث يسمح بإعطاء عضويته للشيخ مصطفى عبد الرازق، فاصطدمت بالثلاثة الكبار من علماء الأزهر الذين أصروا على الرفض، ولم يكن رفضهم اعتراضًا على شخص مصطفى عبد الرازق أو تقليلا من شأنه، ولكن كان ذلك حفاظًا على القانون، ودفعًا لطغيان السلطة التي تريد أن تعبث بهيبة علماء الأزهر ومكانتهم.
وقدم الثلاثة استقالتهم من مناصبهم، وتمكنت الحكومة من تعديل قانون الجماعة بحيث يُسمح بترشيح مصطفى عبد الرازق لمشيخة الجامع الأزهر، وعُين بالفعل في المنصب الكبير في (22 من المحرم 1365 هـ = 27 من ديسمبر 1945م)، وتشاء الأقدار ألا تطول مدته في المشيخة فلم يكد يمر عليه عام حتى لقي ربه في (24 من ربيع الأول 1366هـ = 15 من فبراير 1947م)، وأن يتولى المعترضون الثلاثة المشيخة على التوالي، ويكون محمد مأمون الشناوي أولهم في تولي المشيخة.
مشيخة الجامع الأزهر
تولى الإمام محمد مأمون الشناوي مشيخة الأزهر في (2 من ربيع الأول 1367هـ = 18 من يناير 1348م)، واستقبل رجال الأزهر نبأ تعيينه استقبالا طيبا، وكان الشيخ الجليل عند حسن ظن علماء الأزهر وطلابه؛ فنهض بالأزهر، وأولاه عنايته التي ظهرت نتائجها في ارتفاع ميزانية الأزهر، والقضاء على العصبيات الحزبية التي كادت تُحدث فتنة في الأزهر، بعد أن تدخلت الأحزاب السياسية في شؤون الأزهر وترشيح بعض شيوخه، ثم بدأ الشيخ يُمكِّن للأزهر في مصر والعالم الإسلامي، فعمل على زيادة المعاهد الدينية في مصر، وحرص على ألا تخلو مدن مصر الكبرى من معهد أزهري، فأنشأ خمسة معاهد كبرى في (المنصورة والمنيا وسمنود ومنوف وجرجا)، وعُني بكليات الأزهر عناية تامة، ونقلها إلى المباني الجديدة التي خُصصت لها.
وعمل على تقوية الروابط بين الأزهر والعالم الإسلامي، فأوفد البعوث العلمية المختلفة إلى أنحاء العالم الإسلامي؛ تنشر العقيدة الصحيحة، ومبادئ الإسلام السمحة، وشرائعه الغراء، وتقرب ما بين الطوائف المختلفة، وتنزع ما يكون بينها من أسباب الفرقة والخلاف، وفي الوقت نفسه فتح أبواب الأزهر أمام الوافدين من الطلبة المسلمين من باكستان والهند والملايو وإندونيسيا وغيرها، حتى بلغت البعوث في عهده ما يزيد على ألفي طالب أُعدت لهم أماكن الدراسة والإقامة.
كما أرسل بعثة من نوابغ العلماء إلى إنجلترا لدراسة اللغة الإنجليزية والتمكن منها؛ تمهيدًا لإرسالهم إلى البلاد الإسلامية العديدة التي لا تجيد التخاطب إلا بهذه اللغة.
وسعى الشيخ بما له من مكانه إلى وزارة المعارف؛ لتجعل مادة الدين الإسلامي أساسية في التعليم، وفتح مجالات التدريس في الوزارة أمام خريجي الأزهر، وتدخل بقوة لدى الحكومة لإلغاء البغاء الرسمي، فنجحت مساعيه، وأُلغي هذا العمل.
وكان للشيخ مواقف أخرى محمودة، يأتي على رأسها موقفه من فلسطين؛ حيث ذكر المسلمين بوجوب الجهاد لنصرة فلسطين ودعاهم هم وحكامهم إلى الوقوف في وجه الهجمة الصهيونية حتى يؤدوا هذه الفريضة ويذكرهم التاريخ بخير.
وفاة الشيخ
ظل الشيخ يعمل في دأب، ويواصل جهوده في صبر وتأنٍّ حتى داهمه المرض؛ فألزمه الفراش، وظل طريحه حتى توفى في (21 من ذي القعدة 1369هـ = 4 من سبتمبر 1950م)، وخلفه في منصبه الإمام عبد المجيد سليم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة