حسم الأزهر الشريف ما أثير على مواقع التواصل الاجتماع وظهور عقد يسمى "بزواج التجربة"، بينما أعلنت دار الإفتاء أنها شكلت لجانًا للبت فى العقد ودراسته من كافة الجوانب القانونية والشرعية، حيث قالت دار الإفتاء، فى منشور لها عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك: اطلعنا على الأسئلة المتكاثرة الواردة إلينا عبر مختلف منافذ الفتوى بدار الإفتاء المصرية حول ما يُسَمَّى إعلاميا بمبادرة «زواج التجربة»، والتى تُعْنَى بزيادة الشروط والضوابط الخاصة فى عقد الزواج، وإثباتها فى عقد مدنى منفصل عن وثيقة الزواج، والهدف من ذلك: إلزام الزوجين بعدم الانفصال فى مدة أقصاها من ثلاث إلى خمس سنين، يكون الزوجان بعدها فى حِلٍّ من أمرهما، إما باستمرار الزواج، أو الانفصال حال استحالة العشرة بينهما.
ونفيد: أن هذه المبادرة بكافة تفاصيلها الواردة إلينا قَيْد الدراسة والبحث عبر عدةِ لجان مُنْبَثِقةٍ عن الدار، وذلك لدراسة هذه المبادرة بكافة جوانبها الشرعية والقانونية والاجتماعية؛ للوقوف على الرأى الصحيح الشرعى لها، وسوف نعلن ما تَوصَّلنا إليه فور انتهاء هذه اللجان من الدراسة والبحث.
من جانبه قال مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية فى وقت سابق، أن الزَّواج فى الإسلام آية من أعظم آيات الله سبحانه، وميثاق سمَّاه الله سبحانه مِيثاقًا غليظًا، ومنظومة مُتكاملة تحفظ حقوق الرَّجل والمرأة، وبقاء زواجهما، وسعادتهما، وتحفظ ما ينتج عن علاقتهما داخل إطاره من أولاد.
وتابع: من أهمِّ دعائم نجاح هذه المنظومة هو قيام عقد الزواج بين الرجل والمرأة على نيَّة الدَّيمومة والاستمرار، والتحمّل الكامل لمسئولياته كافَّة، لا أن يقوم على التأقيت، وقصد المُتعة إلى أجل حدده الطرفان سلفًا مقابل مبلغ من المال يدفعه الرجل للمرأة -وإن سمياه مهرًا-، دون اكتراث بما يترتب عليه من حقوق ومسئوليات وأبناء وبنات.
وعلى الجانب الآخر كفل الإسلام لكلا طرفى هذا العقد الحُرَّين البالغين العاقلين الرَّشيدين حق إنهاء الزوجية فى أى وقت استحالت فيه العِشرة بينهما، دفعًا لضرر مُحقَّقٍ لا يُحتَمل مِثلُه عادةً.
وجَعَل حَلّ هذا العقد بيد الزوج عن طريق الطَّلاق، أو الزوجة عن طريق الخُلع، أو القاضى عند التَّرافع إليه لرفع الضَّرر عن المرأة مع حفظ حقوقها الشَّرعية.
أمَّا عن صورة عقد الزواج المُسمَّى بـ «زواج التجربة» فإنها تتنافى مع دعائم منظومة الزواج فى الإسلام، وتتصادم مع أحكامه ومقاصده؛ إضافةً إلى ما فيها من امتهان للمرأة، وعدم صونٍ لكرامتها وكرامة أهلها، وهذه الصورة عامل من عوامل هدم القيم والأخلاق فى المجتمع.
فزواج التجربة -كما قرَّر مُبتدعوه- هو زواج محظور فيه على كلا الزوجين حَلّه بطلاق من الزوج، أو خلع من الزوجة، أو تفريق من القاضى مدة خمس سنوات، أو أقل أو أكثر، على أن يكون ذلك شرطًا مُضمَّنًا فى عقد الزواج إلى جوار شروط أخرى يتفق عليها طرفاه.
ثم كثرت الأغاليط حول مصير هذا العقد بعد انتهاء مدة التَّجربة المنصوص عليها، فى حين اختار بعضُ المتحمسين لهذا الزواج -أو أن شئت قلت: الابتداع- أن ينتهى عقدُه بانتهاء المدة المقررة؛ ليضاف بهذا إلى جوار شرط «حظر الطلاق» شرطٌ آخر هو «التَّأقيت».
وعلى أيةِ حالٍ؛ فإن هذا الزَّواج فى الشَّرع الشَّريف يندرج تحت مُسمَّى الزَّواج المشروط، غير أن الشروط فى عقود الزواج على ثلاثة أقسام:
1) شروط صحيحة ونافذة يجب الوفاء بها، وهى تلك الشروط التى لا تَعارض بينها وبين مُقتضيات عقد الزواج، كاشتراط المرأة ألا يُخرجها زوجها من دارها، أو ألّا يُسافر بها، فمثل هذه الشروط لا حرج على من اشترطها أن يُطالب زوجَه بها، بل ويُسوِّغ عدم الوفاء بها إنهاء الزواج؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 5]، ولقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ أن الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} [الإسراء: 34].
ولقول سيدنا رسول الله ﷺ: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أن تُوفُوا به ما اسْتَحْلَلْتُمْ به الفُرُوجَ». [متفق عليه]
2) شروط باطلة فى ذاتها؛ ولكن لا يلزم من بطلانها بطلان الزواج الذى اشتمل عليها، وهى الشروط المُنافية لعقد الزواج ومُقتضياته، أو التى تُسقِط حقًّا واجبًا به، كاشتراط الرجل ألَّا يُعطى المرأةَ مهرًا، أو ألَّا يكون لها نفقة، أو كاشتراط المرأة ألَّا يطأها زوجها، فكل هذه شروط باطلة لكونها تُحرِّم حلالًا أو تُقيِّده؛ لهذا لا يجب الوفاء بها ولا تُعدُّ شيئًا، مع الحكم بصحة عقد الزواج؛ لقول سيدنا رسول الله ﷺ: «المسلمونَ على شروطِهم، إلَّا شرطًا حرَّمَ حلالًا أو أحلَّ حرامًا». [أخرجه الترمذي]
ولقوله ﷺ: «... ما كانَ مِن شَرْطٍ ليسَ فى كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهو بَاطِلٌ، وإنْ كانَ مِئَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ...». [متفق عليه]
وشرْط «حظر حلّ عقدة النكاح» لمدة أيام أو أعوام من جملة هذه الشروط الباطلة، فقد أَعطى الشَّرع الشَّريف الزَّوج والزَّوجة حق حلّ عقد الزواج أن وُجِد سببٌ مُعتَبر يدعو إليه، ويوقع الضرر على أحد طرفيه.
وإنْ اشترط الزوج على نفسه عدم طلاق زوجته مُدةً من الزمان ثم طلقها فى المُدّة؛ كان الطّلاق واقعًا، وكذا الزوجة أن طلبت طلاق نفسها، أو رفعت أمرها للقاضى فطُلِّقت قبل انتهاء المدة المُشتَرطة.
3) شروط باطلة فى ذاتها وتنسحب على عقد الزواج الذى اشتمل عليها بالبطلان، كاشتراط مدة معينة للزواج ينتهى بعدها، كما هو الحال فى زواج التجربة أن كان محددًا بوقت؛ إذ هو بهذا يعد زواج متعةٍ مؤقتٍ باطلٍ ومُحرَّمٍ؛ فعن على بن أبى طالبٍ رَضِى اللهُ عنه، أن سيدنا رسول الله ﷺ: «نهى عن مُتعةِ النِّساءِ يومَ خَيبرَ...» [متفق عليه]، وعن عمر بن عبد العزيز قال: حَدَّثَنا الرَّبيعُ بنُ سَبْرةَ الجُهَنى عن أبيه: «أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ نهى عن المُتعةِ وقال: ألا إنَّها حَرامٌ مِن يَومِكم هذا إلى يومِ القيامةِ، ومن كان أعطى شيئًا فلا يأخُذْه». [أخرجه مسلم].
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة