لست من رافعي شعارات الفضيلة، ولا أجيد خطبها، ولا يعنيني كثيرًا ماذا يفعل البشر، غير أني وجدت نفسي متلبسًا بالغضب الشديد من استهتار سيدة تنتمي لوطني، قررت الحديث لوسائل إعلام غير مصرية، ابتذلوها، وابتذلت مشاهديها، عاملوها برخص واضح في الأسئلة، ولم تبد اعتراضًا، بل وافق الحديث _على كل ما به من ابتذال ورخص_ هواها، للدرجة التي دفعتها للرد على سؤال متجاوز، من مذيع متجاوز، بشان مؤخرتها، بالآية القرآنية الكريمة " وأما بنعمة ربك فحدث"، سبق ذلك ردود مبتذلة على أسئلة مبتذلة، لم تتعد كلها حديث المؤخرات، وإذا اعتبرنا أن المرتين الاولى والثانية كانتا زلة لسان، فلا يمكن اعتبار الثالثة، وبهذه الكيفية من باب الخطأ غير المقصود.. وهنا بات التوقف ضرورة.
لا أدرى كيف تفكر الممثلة رانيا يوسف، ولا أدرى إن كانت رانيا يوسف تفكر من الأساس، وإن كانت تفكر، فبأي عضو بجسدها؟.. ففي عالم ملتهب، وفترة قاسية على البشرية كلها، تعيش رانيا يوسف وبعض مقدمي البرامج العرب في عالم مواز مع مؤخرة الفنانة، اتفق فيه الطرفان على تقديم محتوى رخيص في كل مراحله، لم يكن ليستحق التناول منا، إلا لوجود سيدة تكتب الشاشات أنها مصرية.
هل لا تعلم رانيا يوسف أن الفن في مصر مثّله عمالقة، قدموا للعرب وغيرهم أعمالاً تليق باسم بلادهم، وكانوا سفراء فوق العادة، وشخصيات مشرفة، غزت العالم العربي من خلال مواهبها وإمكانياتها الفنية، وعقلياتها المحترمة والكبيرة، وثقافتها الواسعة، وقبل كل ذلك عزًا واعتزازًا بوطنها الكبير، لم تكن المؤخرات يومًا من المؤهلات المصرية التي تُقدَم للعالم، ولم نر ذلك إلا في عهد رانيا يوسف.
أم كلثوم دخلت كل بيت عربي، باحترامها لذاتها ووطنها وفنها، ومثلها عمالقة التمثيل، وزار فنانو مصر كل أرجاء الوطن العربي، حلوا مقدمين لأعمال فنية، وضيوفًا على برامج، يعرف المذيع قدر من يجلس أمامه، ويعي الضيف دوره وحجمه وقيمة عمله، واسم بلده، كانوا شخصيات كبيرة، لم يكن ليجرؤ أي مذيع حول العالم أن يسألهم في أمور مبتذلة، وأسئلة رخيصة كما نرى الآن في زمن رانيا يوسف.
على مر التاريخ، كانت كل شخصية مصرية فنية، تمثل حقًا القوة الناعمة لدولة كبيرة، وتؤثر في ثقافات الدول المحيطة، وكان يسبق الفن في هذا الشأن، شخصيات كبيرة في ذاتها، تشعر بقيمتها وقيمة وطنها وفنها، حظت باحترام على مستوى الشخصية، قبل الإعجاب على مستوى العمل الفني، فالقوة الناعمة يا رانيا قوة عقل ومنطق وفن، وليست قوة مؤخرة.
الحقيقة أنني أستطيع القول الآن إن المحاسبة باتت واجبة، ولم يعد هناك مجالًا لافتراض حسن النية في سقطات رانيا يوسف، ولم يعد للصدفة والخطأ غير المقصود، وزلة اللسان مكاناً بعد كل هذا التكرار، غير أن ما يجعل حساب رانيا يوسف ضرورة، هي تلك المنابر التي تتحدث منها الممثلة، تحت اسم "الفنانة المصرية"، فتعكس صورة مسيئة لفناني وطنها، وتقدم نسخة رخيصة جدًا ومستهترة للفنان المصري، بل والمصري عمومًا، وإن كانت قد ارتضت لنفسها هذا الحجم، ولم تحترم عملها ولا نفسها ولا حتى جسدها، أو بعضه الذي بات حديث الساعة، والشغل الشاغل لمقدمي البرامج العرب، فوجب تقويمها بأسلوب العقاب، لتعريفها بقيمة فنها وقبله وطنها الذي تظهر للأسف حاملة اسمه.
الثابت أن الفن المصري ليس بهذا الحجم، ولم يكن يومًا بهذه الكيفية، ولم يمثل في شخصيات مستهترة ومبتذلة إلى هذا الحد، ولم يتجرأ عليه أحد بأسئلة رخيصة كما في زمن رانيا يوسف، وعليه فإننا نتبرأ كأشخاص من هذه الشخصية الصغيرة على كل المستويات وفي مختلف الزوايا، ونتبرأ كوطن من ممثلة تعكس صورة سيئة وصغيرة عن وطن كبير، ورخيصة عن وطن غال، فما أمثال رانيا يوسف إلا كسحابة سوداء مرت في غفلة من الزمن على تاريخ ناصع البياض، وعمل فني هابط بلا قيمة، في أرشيف فني رائع، وكائنات طفيلية في لحظات سهو إنساني، وشخص بلا قيمة، مر بقوم أعزاء أصحاب حيثية، فحسب نفسه عليهم دون داع... فالفن المصري براء من رانيا يوسف، والشخصية المصرية بريئة من حجم رانيا يوسف، فهذه الرانيا لا تمثل سيدات ولا فنانات مصر، وإن اقترن اسمها بهذا الوطن الكبير، فما هو إلا محاولة تعلق بمؤخرة تاريخ، نقى ذاته، وترك الرواسب في الأسفل، حيث تسكن كل رانيا يوسف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة