رحل الكاتب الكبير وحيد حامد، أحد أبرز كتاب السيناريو في مصر، بعدما أدى رسالته كاملة، فتاريخه حافل بالأعمال المميزة، التى تشهد له على مدى الأزمان المقبلة، وأعتقد أن ما يميز مسيرة وحيد حامد أنه دائما يقول ما يؤمن به.
والانطباع الأصلى والدائم لدى، أنه كلما شاهدت أعمال وحيد حامد، تأكدت ألا أحد يملى عليه شيئا، لا أحد يقول له "اكتب، أو لا تكتب" كل أفكاره نابعة من داخل عقله وتتغذى على مشاعره، وذلك ما يمنح أفكاره قدرا كبيرا من الإنسانية والديمومة والتعاطف مع البشر عامة وأصحاب التجارب الإنسانية خاصة.
وفى هذا السبيل دائما ما يستوقفنى فيلمه المهم "الإنسان يعيش مرة واحدة" والذى أنتج في عام 1981، والذى يتحدث عن مستويين من الفهم، الأول المباشر ويحكى عن مدرس "منقول" إلى مدينة السلوم عقابا على استهتاره، وطبيبة ذهبت إلى المكان نفسه حزنا على موت خطيبها، وحارس مدرسة قضى عمره في الهرب من ثأر قديم، ولكن المعنى الأعمق خلف هذه القصة البسيطة أنها تحكى عن كيف يكتشف الإنسان نفسه، كيف يجد معنى حياته وسط كل هذا الركام المحيط، وكيف يتخلص من خوفه ويواجه أيامه ولياليه وما بهما من حوادث.
ويكشف هذا الفيلم المبكر لوحيد حامد، أن الإنسان هو هاجسه الذى يكتب من أجله، يريد أن يبحث له عن الطمأنينة عن طريق إثارة شجونه ومواجعه، يضعه أمام نفسه، يقول له إنك لن تعيش سوى مرة واحدة، فكيف ستعيش هذه الحياة، هل ستعيشها مستهترا، أم خائفا تترقب، أم ستمنح التفاصيل البسيطة فرصة كي تدلك على جوهر نفسك.
خسرنا وحيد حامد، وخسرنا المعنى الكامن فيه، فالمخلصون للكتابة يعرفون أنها ليست مجرد كلمات مخطوطة، إنها أرواح تشقى وتسعد.