أصدرت الدائرة الجنائية "و" – بمحكمة النقض – حكماَ في غاية الأهمية أرست فيه لعدة مبادئ حول الدفاع الشرعى والمساهمة الجنائية في قضايا القتل العمد، قالت فيه: " التواجد على مسرح الجريمة وحمل السلاح ليس دليلاَ على نية القتل العمد، والحكم لابد أن يبين دور الفاعل الأصلى في الجريمة واستظهار قصد مساهمته فيها".
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 15895 لسنة 85 القضائية، لصالح المحامى بالنقض جورج أنطون، برئاسة المستشار نبيه زهران، وعضوية المستشارين أحمد الخولى، ومحمد عبد الحليم، وحاتم عزمى، وقدرى عبدالله، وبحضور رئيس النيابة لدى محكمة النقض محمد عباس، وأمانة سر حسن سعد.
اتهمت النيابة العامة الطاعنين في القضية رقم 5155 لسنة 2012 جنايات قسم الزاوية الحمراء، بأنهما قتلا وآخران مجهولان "خالد. ش"، عمداَ بأن أطلق المتهم الأول عياراَ نارياَ رشياَ سلاحه النارى – فرد خرطوش – استقر بيسار صدره في حين وقف المتهم الثانى والآخران المجهولان على مسرح الجريمة، بجواره يشدون من آزره حال حملهم لأسلحة بيضاء "سنج، سكاكين" قاصدين من ذلك إزهاق روحه فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته.
ومما نعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة القتل العمد، ودان الأول بجريمتى إحراز سلاح نارى غير مششخن، وذخائر بدون ترخيص، والثانى بجريمة إحراز سلاح أبيض بدون مسوغ قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ذلك أنه لم يستظهر نية القتل ولم يدلل على توافرها في حق الطاعنين بتدليل سائغ، وأطرح دفع الطاعن الثاني بانتفاء مساهمته الجنائية في جريمة القتل – بما لا يسوغ واتخذ من مجرد تواجده على مسرح الجريمة أساساَ لاعتباره فاعلاَ أصلياَ دون أن يبين الدور الذى قام به في ارتكاب الجريمة واستظهار قصد مساهمته فيها، بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت أن الحكم المطعون فيه بعد أن حصل واقعة الدعوى وأدلتها عرض نية القتل لدى الطاعنين في قوله: "وحيث أنه عن نية القتل فإن المحكمة تستخلص النية في حق المتهمين من استعمال المتهم الأول سلاح نارى – فرد خرطوش – وهى آلة قاتلة بطبيعتها وتصويبها نحو مقتل المجنى عليه – يسار صدره – وتعمده اطلاقها عليه حيث أصابه الطلق النارى في مقتل يسار صدره بما أحدثه من تهتكات بالرئة اليسرى، وما صاحب ذلك من نزيف دموى غزير مما أودى بحياته وهو الأمر الذى يقطع بيقين بتوافر هذه النية في حق المتهم الأول، والثانى الذى كان متواجدا على مسرح الجريمة بجواره حاملاَ السلاح الأبيض.
لما كان ذلك – وكان القصد الجنائى في جريمة القتل العمد تتميز عن القصد العام في سائر جرائم التعدى على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجانى من ارتكاب الفعل الجنائى إزهاق روح المجنى عليه، ولما كان هذا القصد بطبيعته، أمراَ داخليا في نفس الجانى، فإنه يجب لصحة الحكم بإدانة متهم في هذه الجريمة أن تعنى المحكمة بالتحدث عنه استقلالاَ وأن تورد الأدلة التي تكون قد استخلصت منها أن الجانى حين ارتكب الفعل المادى المسند إليه كان في الواقع بقصد إزهاق روح المجنى عليه، وحتى تصلح تلك الأدلة أساساَ تبنى عليه النتيجة التي يتطلب القانون تحقيقها يجب أن يبينها الحكم بياناَ واضحاَ ويرجعها إلى أصولها في أوراق الدعوى.
ووفقا لـ"المحكمة" – وكان ما أورد الحكم – على النحو المار بيانه – لا يفيد سوى الحديث عن الفعل المادى الذى قارفه الطاعن الأول – والذى لا ينبئ عن ثبوت نية القتل في حق الطاعنين، ذلك أن إطلاق عيار نارى صوب المجنى عليه وإصابته في مقتل حال تواجد الطاعن الثانى بجواره حاملاَ لسلاح أبيض – لا يكفى بذاته لثبوت نية القتل – ما لم يكشف الحكم عن قيام هذه النية بنفس الطاعنين بإيراد الأدلة والمظاهر الخارجية التي تدل عليها وتكشف عنها، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوباَ بالقصور في التسبيب.
لما كان ذلك – وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعن الثانى بانتفاء مساهمته الجنائية في جريمة القتل واطرحه، بعد أن أورد تقريرات قانونية – في قوله: "... ولما كانت نية تدخل المتهم الثانى في ارتكاب جريمة قتل المجنى عليه مع المتهم الأول تحقيقاَ لقصدهما المشترك يستفاد من نوع الصلة بين المتهمين إذ بمجرد نشوب المشادة الكلامية بين المتهم الثانى والشاهد السادس بسبب خلاف مالى بينهما وما أن تم فضها وعقب ذلك فترة زمنية وجيزة أحضر المتهم الأول وآخرين مجهولين وكان الأول بحوزته فرد خرطوش، والثانى سنجة والآخرين أسلحة بيضاء عبارة عن سكاكين بقصد التشاجر مع الشاهد السادس متوجهين إلى مسكنه، مما يستفاد من الصلة بينهما في الزمان والمكان واتجاههم وجهة واحدة في تنفيذها.
إذ بمجرد قيام المجني عليه بإيذاء النصح لهما بالكف عن ألفاظ السباب هدده المتهم الأول بالقتل إذا لم ينصرف لحال سبيله، فلم يمتثل المجنى عليه لذلك التهديد، فما كان من المتهم الأول أن صوب سلاحه الناري نحو المجنى عليه مطلقاَ العيار الناري الذى أحدث إصابة المجنى عليه والتي أودت بحياته حال تواجد المتهم الثاني على مسرح الجريمة محرزاَ لسنجة للشد من أزر المتهم الأول حال ارتكابه الجريمة، وهو ما يعد معه المتهم الأول فاعلاَ أصلياَ للجريمة ومساهماَ مع المتهم الأول وفقا لنص المادة 39 عقوبات.
لما كان ذلك – وكانت المادة 39 من قانون العقوبات قد نصت على أنه: يعد فاعلاَ للجريمة أولاَ: من يرتكبها وحده أو مع غيره، ثانياَ: من يدخل في ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أفعال فيأتى عملاَ من الأعمال المكونة لها، والبين من نص هذه المادة في صريح لفظه وواضح دلالته أن الفاعل إما أن ينفرد بجريمته أو يسهم معه غيره في ارتكابها، فإذا أسهم فإما أن يصدق على فعله وحده وصف الجريمة التامة، وإما أن يأتي عمداَ عملاَ تنفيذياَ فيها إذا كانت الجريمة تتركب من جملة أفعال سواء بحسب طبيعتها أو طبقا لخطة تنفيذها وحينئذ يكون فاعلاَ مع غيره إذا صحت نية التدخل في ارتكابها.
ولما كانت هذه النية أمراَ باطنياَ يضمره الجانى وتدل عليه بطريق مباشر أو غير مباشر الأعمال المادية المحسوسة التي تصدر عنه، فإن العبرة هي بما يستظهره الحكم من الوقائع التي تشهد لقيامها، كما أنه من المقرر أنه لا يكفى لإدانة شخص بصفته فاعلاَ في جريمة مجرد تواجده مع غيره وقت ارتكابها، إلا إذا كانوا جميعا متفقين على ارتكابها وقام كل منهم بدوره في تنفيذها حسب الخطة الموضوعة لهم.
لما كان ذلك – وكان الحكم المطعون فيه قد اتخذ من تواجد الطاعن الثانى على مسرح الجريمة مع الطاعن الأول سنداَ لاعتباره فاعلاَ أصلياَ في جريمة القتل العمد – دون أن يستظهر الوقائع التي تشهد بنية تدخله في ارتكابها ولا يصح – في هذا المقام – الاستناد إلى الاتفاق السابق بين الطاعنين بالتوجه لمسكن الشاهد السادس للتشاجر معه، أساساَ للتدليل على توافر هذه النية لديه، سيما وأن جريمة القتل في الدعوى الماثلة – وفقا للتصوير الذى اعتنقته المحكمة لا يمكن بحال – وبحكم المجرى العادى للأمور أن تكون جريمة محتملة للجريمة التي اتجهت إليها إرادة الطاعنين ابتداء، فإن الحكم انتهى في قضائه إلى اعتبار الطاعن الثانى فاعلاَ أصلياَ في جريمة القتل استناداَ للأسباب التي أوردها – يكون فوق قصور في التسبيب فاسداَ في استدلاله بما يعيبه ويستوجب نقضه.