فى أول أيام العام الجديد، غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبى، بعد أربع سنوات ونصف السنة على الاستفتاء الذى صوّتت فيه أغلبية البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبى، كانت السنوات التى تلت الاستفتاء مُربِكة، استقال رئيسا وزراء، هما ديفيد كاميرون، وتريزا ماى، وكاد بوريس جونسون يواجه المصير ذاته، فقد وافق «كاميرون» على تنظيم الاستفتاء، وهو يراهن على أن البريطانيين سيصوتون للبقاء، لكن النتائج جاءت مفاجئة، أطاحت بـ«كاميرون» وجاءت تريزا ماى، لتخوض معركة أخرى، وتراهن على عقد اتفاق مُرضٍ يخفف من وقع الخروج، لكنها فشلت ودعت لانتخابات مبكرة خسرت فيها، وغادرت.
خططت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماى، لأن تبدأ بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبى، فى 29 مارس 2019، لكنها تلقت ضربات باستقالة وزير الخارجية بوريس جونسون، رفضا لخطط «ماى» المتعلقة بالخروج الناعم، أنهت فرص تيريزا ماى، والتى خسرت قيادة حزب المحافظين، وربحها بوريس جونسون، والذى تولى قيادة المحافظين ورئاسة الوزراء، ووعد بإنهاء ملف مغادرة الاتحاد الأوروبى، ولو من دون اتفاق، فى 31 أكتوبر2019، وفشل، وهو ما جعل مستقبله ومستقبل حزب المحافظين على المحك، وأصبح على «جونسون» عقد اتفاق جديد مع الاتحاد الأوروبى أو تأجيل الخروج إلى نهاية عام 2019، واستمرت الأزمة، والمفاوضات ومع نهاية عام 2019 بدأت أزمة فيروس كورونا، التى كانت أحد قوارب النجاة لبوريس جونسون والمحافظين، حيث انشغل العالم، والبريطانيون بمواجهة الوباء، وبقى ملف «بريكست» معلقا حتى نهاية العام.
ومن المفارقات أن أزمة كورونا منحت «جونسون» فرصة للتفكير والتفاوض قبل الخروج، لكنها كانت نقطة الضعف التى ساهمت فى الإطاحة بالرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وفوز الديموقراطيين.
فقد نجح «جونسون» فى تمرير الاتفاق التجارى مع بروكسل وترتيبات ما بعد الخروج، ومع أنه لا يختلف كثيرا عن الاتفاق الذى فشلت تريزا ماى فى تمريره، إلا أنه نجح فى الحصول على موافقة البرلمان على قانون يعيد رسم علاقات المملكة المتحدة مع أوروبا بشكل جذرى، حيث تم استدعاء البرلمان لجلسة طارئة لمدة يوم واحد، للموافقة على اتفاقية التجارة والتعاون بين الاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة، والتى أبرمها «جونسون» ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عشية عيد الميلاد.
وقال «جونسون»: «مصير هذا البلد العظيم راسخ الآن فى أيدينا، نحن نتولى هذا الواجب بحس من الهدف ومع مراعاة مصالح الجمهور البريطانى»، لكن الموافقة السريعة عليه، أثارت مخاوف أعضاء البرلمان والمعارضة من أن مشروع القانون لم يتم التدقيق فيه بشكل صحيح.
وخرجت المملكة المتحدة نهائيا من الاتحاد الأوروبى بعد أربع سنوات ونصف السنة، من الشد والجذب والنقاش والصراع السياسى، ويأتى الخروج وسط أزمة كبيرة تشهدها البلاد بسبب انتشار «كوفيد - 19»، وتأثيراته الاقتصادية والاجتماعية، على بريطانيا كواحدة من الدول التى تعانى من هجمات الفيروس.
نجاح بوريس جونسون، فى إنهاء ملف الخروج المتعثر طوال أربع سنوات ونصف، يمنحه رصيدا للاستمرار، لكن هذه الخطوات للخروج، هى بداية، ربما تساهم فى بقاء «جونسون»، فى حال صمد الاقتصاد البريطانى، بينما يمكن أن تكون مسمارا فى نعش المحافظين و«جونسون»، حال مواجهة بريطانيا لأزمات جديدة فى التشغيل والعمالة أو الأسعار، خاصة أن فيروس كورونا ما يزال يشكل أزمة كبرى، وإن كان «جونسون» يعرف أن الأزمة لا تواجه بريطانيا فقط، لكنها هجمة على العالم كله.
لكن خروج بريطانيا، لا يمثل أزمة للمملكة المتحدة وحدها، لكنه يشكل اختبارا لأوروبا كلها، لأن نجاح بريطانيا، يمكن أن يشجع دولا أخرى على الخروج وتفكيك الاتحاد الأوروبى بدولِهِ الـ28، وظل الاتحاد يتشكل منذ 1957 حتى «اتفاقية ماستريخت» عام 1992، مما يساهم فى إعادة رسم خرائط النفوذ بالعالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة