مازال التعقيد يهيمن على مسار تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، في ظل خلافات القوى السياسية المعنية بالتأليف الحكومي وعدم الاتفاق في ما بينها، لا سيما بين رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي (التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل) من جهة ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري من جهة أخرى، وذلك حول توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف وحجم الوزارات التي سيحصل عليه كل فريق ونوعيتها والأسماء التي ستشغل الحقائب.
وجاء تمديد إغلاق "كورونا " والذى أقره المجلس الأعلى للدفاع فى لبنان أمس ، حيث يستمر حتى8فبراير المقبل، فى محاولة للحد من تفشى وباء كورونا ، ليزيد الأمر تعقيدا حيث سيكون له أثر أيضا على المسار السياسى فى لبنان وتكمن الخطورة في أن هذا التمديد التلقائي ينسحب على التمديد للأزمة اللبنانية في ظل انسداد الأفق السياسية في وجه تشكيل حكومة جديدة بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على الانفجار الذي استهدف مرفأ بيروت.
مساعى "دياب"
ولفتت مصادر سياسية، وفق "الشرق الأوسط"، إلى أن التحرك الذي قام به رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، باتجاه رؤساء الجمهورية ميشال عون، والمجلس النيابي نبيه بري، والمكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، في محاولة لإخراج تأليف الحكومة من التأزم الذي لا يزال يحاصرها، لم يحرز تقدما حتى الآن لأنه لم يكن سوى غطاء للتضامن مع الحريري ولو متأخراً بعد أن اتهمه عون بالكذب.
وعقب لقاءاته الثلاثاء الماضى مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الجمهورية ميشال عون، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال، إن العقبات التى تقف أمام تشكيل الحكومة الجديدة للبلاد قليلة مقابل إيجابيات كثيرة ونوايا لاستئناف مسار التأليف الحكومى لدى جميع المعنيين بهذا الملف، مؤكدا أن تشكيل الحكومة مطلب وطنى لمعالجة الأزمات العديدة التى يعانى منها اللبنانيون.
وأشار دياب إلى أنه لمس من رئيس الوزراء المُكلّف سعد الحريرى ورئيس مجلس النواب نبيه برى ورئيس الجمهورية ميشال عون، النية لمتابعة عملية تشكيل الحكومة الجديدة بوصفها أولوية تتقدم على أى موضوع آخر فى الوقت الحالى فى ظل الأزمات المعيشية والاجتماعية والاقتصادية والمالية التى يشهدها لبنان.
ولفت إلى أنه يسعى إلى البناء على الأمور الإيجابية الكثيرة الموجودة حاليا فى ملف تشكيل الحكومة، إلى جانب إيجاد الحلول لبعض العقد القائمة والتى لا تزال بحاجة إلى بعض المعالجات، مرجحا أن يكون هناك لقاء قريب بين رئيس البلاد ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريرى لاستئناف مسار التأليف الحكومي، باعتبار أن لبنان يحتاج إلى حكومة تدير البلاد بأسرع وقت ممكن.
وحاول دياب إعادة تحريك المشاورات الخاصة بتأليف الحكومة، مع أنه يدرك جيداً أن عون الذي يرفض التجاوب مع مبادرة البطريرك الماروني بدعوته الحريري لعقد لقاءات وجدانية لعلها تفتح الباب أمام الوصول إلى تفاهم يدفع باتجاه تسريع ولادة الحكومة ويصر على التمرّد على مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان، ليس في وارد التسليم له بأنه يقوم بمهمة إنقاذية.
دعوات البطريرك المارونى للمصالحة
وعلى صعيد مساعى حلحلة الأزمة بين الحريرى وعون ، حث أكبر رجل دين مسيحي في لبنان الرئيس ميشال عون على عقد اجتماع مصالحة مع رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري لتشكيل حكومة وإنهاء حالة الجمود السياسي في البلاد.
ومازالت الكتل السياسية المتصارعة عاجزة عن الاتفاق على حكومة جديدة منذ استقالة الحكومة في أعقاب انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس مما ترك سفينة لبنان بدون ربان وهي تغوص أكثر في الأزمة الاقتصادية.
وبلغت التوترات بين عون والحريري، اللذين تبادلا اللوم علنا في ديسمبر بعد عدم الاتفاق على تشكيلة الحكومة، ذروتها الأسبوع الماضي عندما أظهر مقطع فيديو مسرب عون على ما يبدو وهو يصف الحريري بالكاذب.
وقال البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في قداس اليوم الأحد إن "حالة البلاد والشعب المأسوية لا تبرر على الإطلاق أي تأخير في تشكيل الحكومة".
وأضاف "في هذه الحالة نتمنى على فخامة رئيس الجمهورية أخذ المبادرة بدعوة دولة رئيس (الوزراء) المكلف" إلى اجتماع.
الانتخابات النيابية
وعلى صعيد الانتخابات النيابية فقد توقع مراقبون لبنانيون، تعذر إجرائها في موعدها في ربيع 2022 ما قد يؤدي إلى التمديد للبرلمان الحالي ليحل مكان البرلمان المنتخب الذي يُفترض أن يَنتخب من يخلف عون في سدة الرئاسة والذي تنتهي ولايته بعد نحو خمسة أشهر ونصف على انتهاء ولاية البرلمان الحالي، وهذا ما يسمح لعون بالتحالف مع "حزب الله" بالضغط لإعادة تسويق باسيل رئاسياً، ما يدفع عون أيضا باتجاه التمسك بالثلث المعطل.
وإن كان من الصعب إعادة تلميع صورة باسيل حتى داخل ما تبقى من "قوى 8 آذار"، وتعزو السبب إلى أنه ورئيس الجمهورية لم يتركا حليفاً لهما سوى "حزب الله"، لذلك، فإن إصرار عون على الثلث الضامن في الحكومة في حال أنها تشكّلت يَلقى معارضة واسعة، حتى لا تبقى بيده وباسيل ورقة التعطيل، وإن كان من المبكر منذ الآن التكهن بمصير الانتخابات النيابية.
تعثر تأليف الحكومة
بعض الساسة اللبنانيين والمراقبين للشأن اللبنانى أكدوا أن مازال الخلاف على عدد من الحقائب بين الحريرى وعون ومن خلفه جبران باسيل الذى يقود التيار الوطنى الحر، وكان الحريري قد صرح بإنه قدم لعون، تشكيلة حكومية من 18 وزيرا من أصحاب الاختصاص، بعيدا عن الانتماء الحزبي المباشر، إلا أن عون أعلن اعتراضه على "تفرد" الحريري بـ"تسمية الوزراء، خصوصا المسيحيين، دون الاتفاق مع رئاسة الجمهورية.
وعلى الجانب الآخر أكد مراقبون أن التأخر فى تشكيل الحكومة على انتظار تولى الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن والذى من المنتظر أن تحمل سياساته الخارجية كثيرا من التغييرات ما سينعكس حتما على الملف اللبنانى، حزب الله ومن خلفه حليفته إيران يحاولون خلق العقبات لاستهلاك الوقت حتى يتولى جو بايدن مقاليد الحكم الأمريكى أملا منهم فى التوصل إلى تفاهمات مع الإدارة الأمريكية الجديدة، تضمن لهم كسب المساومات المتوقعة بين واشنطن وطهران مقابل الضغط بورقة حسم ملف الحكومة اللبنانية.
أكد نائب رئيس مجلس النواب اللبناني إيلي الفرزلى، ضرورة بذل كافة الجهود الممكنة من أجل إخراج لبنان من الأزمات التي يعاني منها، وخصوصا الأزمة المتعلقة بتشكيل الحكومة الجديدة، والتى بات حلها ضرورة ملحة، وقال الفرزلى إن المصلحة العليا للبنان تقتضي بتشكيل الحكومة الجديدة في أقرب وقت ممكن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة