الانشغال بأسعار الخضروات والفاكهة قضية تحتل مكانه خاصة لدى المصريين، ويعتبرونها مادة مهمة للحوار والنميمة، فالطماطم تتصدر التريند مرات ومرات خلال العام الواحد، وسرعان ما ينافسها الليمون أو البرتقال، ومؤخراً كانت البطاطس حديث العامة، بعدما صارت أسعارها بالقروش لا الجنيهات، وسجل الكيلوجرام منها 70 قرشاً لأول مرة منذ سنوات.
الصحف والمواقع الإلكترونية تقدم خدمات يومية عن أسعار الخضروات والفاكهة وقديماً كان يتم إعلان التسعيرة الجبرية عبر أثير الإذاعة، انطلاقاً من أهميتها الخاصة لدى المواطن، وأظن هذه ظاهرة مصرية خالصة، فقضية الأسعار فى العالم كله تحكمها قواعد العرض والطلب، فهذه النظرية الكلاسيكية، تنخفض فيها الأسعار مع زيادة المعروض، وترتفع مع زيادة الطلب وقلة المعروض.
بالطبع قضية الأسعار فى مصر تحكمها معايير مختلفة، مثل الاحتكار وكثرة الوسطاء بين المنتج والمستهلك، وسلسلة التجار الكبار والتجزئة حتى البائع المتجول، وغياب أسواق الجملة، بالإضافة إلى الجشع والطمع لدى البعض نتيجة الرغبة الخاصة في البيع بهامش ربح أعلى، وهذا نراه دائما، فقد تشترى كيلو طماطم بسعر 3 جنيهات من بائع على ناصية أحد الشوارع، ثم تجدها بـ 4 جنيهات عند آخر في نفس الشارع، دون فروق أو جودة في المنتج.
مؤخراً شهدت أسعار البطاطس انخفاضات غير مسبوقة، وهذا جعلها تحتل جزء كبير من اهتمام الرأى العام، خاصة مع تداول فيديوهات وأخبار عن تراجع سعر الكيلو حتى وصل إلى 70 قرشا من المزارع للتاجر، ويصل إلى المستهلك بحوالي 2 جنيه تقريباً، وهذه أسعار منخفضة جداً وتوثر على الفلاحين والمزارعين بصورة كبيرة، نظراً لارتفاع تكلفة محصول البطاطس، وأسعار التقاوى، التى تمثل الجزء الأكبر من تكلفة الإنتاج.
أتعجب لماذا ينفعل المستهلك بهذه الصورة مع انخفاض أسعار البطاطس أو الطماطم، فالموضوع ليس أكثر من عرض وطلب إلى جانب غياب التخطيط في الخرائط المحصولية والصنفية سواء على مستوى الإرشاد الزراعى ووزارة الزراعة أو المزارع، الذى يتجه إلى زراعة محصول معين دون دراسة أو تخطيط، بحيث يخضع الأمر كله إلى القرارات غير المدروسة أو الفكرة السائدة بأن محصول غالى الثمن هذا العام، سيظل على نفس الوتيرة العام المقبل، والجزء الأكبر من الفلاحين يقع أسيراً لهذه الفكرة الساذجة.
انخفاض أسعار أى نوع من الخضروات والفاكهة، أو أي سلعة أو خدمة يحصل عليها المواطن، أمر صحى للمجتمع ويعود بالفائدة على الجزء الأكبر من المواطنين، حتى لو كانت هناك مجموعات محدودة تتضرر من هذا الانخفاض، فالسواد الأعظم ينتفعون بهذا الانخفاض، كما أن الفلاح أو المزارع هو مستهلك فى النهاية وانخفاض أسعار المنتجات يصب في مصلحته بالتأكيد، لذلك يجب اعتبار أي انخفاض في أسعار السلع والمنتجات مؤشر إيجابى وصحى، وأمر ضرورى لإنعاش حركة البيع والشراء في السوق، وتمكين للطبقات الفقيرة لتحصل على مستلزماتها واحتياجاتها بأقل الأسعار.
تراجع مستويات الأسعار فى الأسواق دليل على حيوية السوق، وعلينا أن ننظر إلى القضية بصورة أكثر إيجابية من فكرة انخفاض أو ارتفاع، بل دليل على اتساع السوق وغياب الاحتكار وعدم قدرة شخص أو مؤسسة أو مجموعة من الشركات التحكم فى هذه السوق المفتوحة، التى تدار بمعايير اقتصادية سليمة على أساس التنافسية وقوى العرض والطلب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة