"المستقبل السياسي" للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، يبقى الشغل الشاغل للشارع، ليس فقط في الولايات المتحدة، وإنما يبقى أحد العناوين التي تتصدر الصحف العالمية، في ظل وعود الرجل، ووعيده، بـ"العودة" مجددا إلى الواجهة السياسية في بلاده، رغم الخسارة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي عقدت في نوفمبر الماضى، لصالح منافسه الديمقراطى جو بايدن، وهو الأمر الذى يدفع ألد أعدائه بقوة نحو مواصلة مطاردة "الشبح" الذي بات يهيمن على أروقة السياسة الأمريكية في المرحلة الراهنة، حتى وهو خارج السلطة، عبر إجراءات العزل، والتي تهدف في الأساس إلى حرمانه من خوض الانتخابات الرئاسية مجددا في 2021، خاصة أن الرجل لم يستبعد القيام بالخطوة بعد 4 سنوات، مدعوما من قِبَل قطاع كبير من مؤيديه في الشارع، والذي تجلى في أبهى صوره في مظاهرات الغضب، غير المسبوقة، التي وصلت إلى ذروتها في اقتحام الكونجرس إبان التصديق على فوز الرئيس الجديد في 6 يناير الجاري.
وقد شكّل عودة الرئيس السابق إلى الواجهة من جديد، محلا لبعض التساؤلات والكثير من الشكوك، في ظل خسارته لدعم قطاع كبير من الجمهوريين، والذين كان ترامب ممثلا لهم لـ4 سنوات في البيت الأبيض، حيث يبقى تيار "الصقور" داخل الحزب، وهو التيار المهيمن داخل الحزب، رافضا لعودته؛ بسبب تهميشهم خلال إدارته، وهو ما بدا في الدور الذي لعبه كبار القيادات الجمهورية، لتقويض محاولته لتجديد ولايته، في الانتخابات الأخيرة، وعلى رأسهم مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون، والذي أصدر كتابا قبل الانتخابات بأسابيع، لتشويه صورة الرئيس السابق أمام الرأي العام، فيما يمثل دعما صريحا لمنافسه الديمقراطي، بينما تخلى عنه قطاعا آخر في معركته للبقاء بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية.
وهنا تصبح عودة ترامب من بوابة الحزب الجمهوري محل شك كبير، ليصبح الخيار الآخر المتاح أمامه، هو تأسيس حزب جديد، وهو الأمر الذي تناولته عدة منابر إعلامية، والتي تحدثت عن إمكانية تشكيل منبر سياسي جديد، يحمل توجهاته اليمينية القومية، يمكنه من خلاله القيام بدور المعارضة "الشرسة"، ليكون بمثابة وجه استثنائي للمعارضة في الولايات المتحدة، ليثور التساؤل حول الكيفية التي يشكل بها الرئيس الأمريكي السابق حزبه الجديد، حال تأسيسه، ليستغل حالة الزخم السياسي الكبير التي يحظى بها في المرحلة الراهنة.
تيار المنشقين.. قاعدة ترامب بين الجمهوريين "نواة" الحزب الجديد
ولعل المنشقين عن تيار "الصقور" في الحزب الجمهوري، يمثلون النواة الرئيسية التي يمكنها تشكيل الحزب الجديد، الذي يقوده ترامب، للعودة من جديد إلى الواجهة السياسية، حيث تحظى رؤية الرئيس السابق، والتي تقوم في الأساس على عدم الانغماس في مستنقعات التدخل العسكري، بتأييد كبير، خاصة مع الخسائر الكبيرة التي تكبدتها واشنطن، سواء سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا، نتيجة تدخلاتها المباشرة في مناطق الصراع، لتصبح بمثابة نهج مهم لا يمكن تجاوزه في المستقبل، مع احتفاظ واشنطن ببدائل دبلوماسية واقتصادية يمكن من خلالها تحقيق معادلة النفوذ، والتي تمثل الهدف الرئيسي وراء العديد من المغامرات العسكرية التي خاضتها الولايات المتحدة على مدار سنوات، باعتبارها القائد العالمي الوحيد، الذي يمكنه التدخل المباشر لحفظ الأمن الدولي.
ترامب
ولا تتوقف الانشقاقات على الجمهوريين "المتمردين" على الهيمنة الصقورية بالحزب، وإنما تمتد إلى داخل التيار نفسه، حيث يراهن عدد من الشخصيات المعروفين بتوجهاتهم المتشددة، على تبعية نهج ترامب، للاحتفاظ ببقائهم على الساحة السياسية، أو للفوز بمكانة أكبر، في ظل انخفاض معدل المنافسة، حال تأسيس حزب جديد، فيمكنهم عبر خبراتهم الطويلة داخل أروقة السياسة الأمريكية، القيام بدور قيادى في الكيان الجديد، على غرار مايك بومبيو، الذي قدم فروض "الولاء والطاعة" للرئيس السابق، رغم تهميشه مما ساهم في بقائه على رأس وزارة الخارجية، حتى نهاية الولاية، رغم خلافات لا يمكن تجاهلها بينهما، خاصة فيما يتعلق بكوريا الشمالية، والناتو وغيرها.
انقسامات الديمقراطيين.. فرصة ترامب لرسم تيار وسط بين الحزبين
الانشقاقات لا تتوقف على الجمهوريين، فهناك انقسام كبير داخل الحزب الديمقراطى، وإن كانت الانتصارات التي تحققت مؤخرا في الانتخابات، سواء الرئاسية أو التشريعية، ساهمت إلى حد كبير في تواريها، إلا أنها تبقى بمثابة "نار تحت الرماد"، وهو الأمر الذى يبدو في حالة الشقاق بين القيادات التقليدية، والذي تقوده رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، والرئيس الأسبق باراك أوباما وغيرهم، من جانب، وجناح بيرني ساندرز، والمدعوم من قِبَل الشباب، والذي تجلى في أبهى صوره بعد الهزيمة المدوية التي تلقتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون أمام ترامب في انتخابات 2016، كما ظهرت كذلك خلال الانتخابات التمهيدية للحزب، في 2020، والتي فاز بها جو بايدن، لتؤهله إلى المواجهة النهائية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
تيار ساندرز أثار انقساما كبيرا فى الحزب الديمقراطى
شقاق الديمقراطيين يمثل فرصة جيدة لترامب، إذا ما أراد تشكيل حزبه، ليس فقط لتقويته بالعناصر المؤهلة سياسيا، عبر استقطاب العناصر المتمردة على القيادات الحالية، وإنما لخلق تيار سياسي جديد في السياسة الأمريكية، يمثل "خطا وسطا" بين المحافظين الجمهوريين، والتوجه الذي يميل إلى اليسار من الديمقراطيين، ليكون بمثابة وجه جديد للسياسة الأمريكية، ليس فقط في شكل المعارضة التي سيخوضها، وإنما في توجهاته السياسية، باعتباره سيحمل التوجهات "الشعبوية" التي طغت إلى حد كبير على خطاب ترامب من جانب، بالإضافة إلى تقديم الدعم للأفكار الرأسمالية، والتي تمثل مرجعية مهمة للرئيس السابق باعتباره داعم لرجال الأعمال، ليقدم "خليطا" غير مسبوق في السياسة الأمريكية.
حزب "الكنبة".. الكتلة الأكبر الداعمة لتيار ترامب في السياسة الأمريكية
وعلى الرغم من الأهمية الكبير للفرق السياسية سالفة الذكر، عند الحديث عن احتمالات تأسيس حزب سياسي جديد في الولايات المتحدة، يبقى حزب "الكنبة"، والذى يمثله رجل الشارع غير المسيس، بمثابة الكتلة الأهم التي يمكنها تقوية شوكة التيار الجديد في السياسة الأمريكية، حيث يستند الرئيس السابق في أي خطوة سياسية يقدم عليها، على إنجازاته التي تحققت إبان حقبته، والتي تلامس معها المواطن بشكل صريح، خاصة على الصعيد الاقتصادي، أو الأمني، أو حتى الارتباط الوثيق بين الدبلوماسية الأمريكية والداخل، في إطار شعار حملته الانتخابية "أمريكا أولا".
ملايين الأمريكيين أعربوا عن تأييدهم لترامب
شعبية ترامب في الشارع الأمريكي ترجمتها العديد من المعطيات، أبرزها نجاحه في الحصول على 75 مليون صوت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، في رقم قياسي، ليس فقط لرئيس خاسر، وإنما أيضا يعد أكبر رقم يحصل عليه رئيس خلال انتخابات تجديد ولايته، في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى احتجاجات الغضب التي شهدتها العديد من الولايات في أعقاب الإعلان عن خسارته، لتصبح الكتلة المؤيدة للرئيس بمثابة "رأس مال" مهم لأي حزب يتطلع إلى المنافسة الحقيقية للصعود إلى قمة هرم السياسة، سواء في الولايات المتحدة أو غيرها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة