التأمين هام - كخدمات البنوك - ولكن على المرء أن يحتاط لنفسه ولجيبه، فالبعض قد يفضل أن يقدم إلى العميل نصف المعلومة، ليقنع العميل بخدمة ما أو بشراء منتج ما من منتجات الشركة أو البنك. وينصرف العميل سعيدا مسرورا بكونه قد تعاقد على شراء المنتج أو الخدمة ، وفي قلبه وفي عقله شىء أو صورة مغايرة أو غير مطابقة لما تم الاتفاق عليه فعلا وما سيتم العمل وفقه .
وإذا كان العميل يقظا مهتما بالمراجعة والفحص كل فترة تطول أو تقصر فيما يخصه وما تعاقد عليه وما اشتراه، فقد يكتشف العميل المسكين مبكرا نسبيا ما وقع فيه أو تم استدراجه إليه من معاملات مغايرة لتصوره ولما انصرفت إليه نيته حين قرر الشراء أو التعاقد، ويدرك أنه خسر، ولكن الخسارة القريبة خير وأهون من خسارة بعيدة جسيمة وموجعة ، لا قدر الله .
لا أنسى أبدا - في هذا المقام - موقف الصيدلي المصري في احد صيدليات حي الزمالك بالقاهرة حين طلبت منه شراء عبوتين متماثلتين من منتج جديد من المنتجات الطبية - توفيرا للوقت والجهد وقصرا للحاجة الى العودة إلى الصيدلية لذات الطلب - فاقترح الصيدلي الشاب على أن اشترى عبوة واحدة مبدئيا للتجربة بدلا من عبوتين ، على ان أعود للمزيد من المنتج اذا وجدته مناسبا لي وفعالا . فلم يؤثر الصيدلي الشاب الأمين أن يبيع المزيد من المنتج - بصرف النظر عن الضرر المحتمل او الخسارة المادية المحتملة على العميل - وإنما آثر أن يكون أمينا مع العميل حريصا على صالح العميل ، ولو دخل خزينة الصيدلية مال أقل .
وقد شكرت الصيدلي واحترمته لوفائه لنفسه ولمحل عمله . ولا أنسى حين دخلت محلا لبيع منتجات البايب وادواته في العاصمة الالمانية برلين وأردت شراء ثلاثة اشكال مختلفة من البايب راقني ذوقها ، فإذا بالبائع ينصحنى بالاكتفاء بشراء بايب واحد للتجربة والعودة مرة اخرى ، اذا احببت ما اشتريت . وفضل البائع الألماني المحترم ان يبيع أقل على ان يخسر العميل ماله لقاء منتج قد لا ينفعه او يستفيد به . وأذكر جيدا حين دخلت مطعما ألمانيا برفقة صديق وطلبت طبقين من طاجن ما ، فإذا بالجرسون ينصحنا بطلب طبق واحد فقط من ذلك الطاجن موضحا أن الضاجن الواحد كبير بالفعل وقد يكفي جماعة ويزيد وهو ما حدث بالفعل ، وفضل الجرسون لنفسه ولمحل عمله ان يكونا امينين باقيين في ذاكرة وفي قلب العميل على أن يحصدا مالا أكثر بينما يتوجع العميل امامهما ألما على ماله المسكوب .