فى أحد جوانب المحل القديم المتواجد بمنطقة السهاريج فى مدينة قنا تلتفت عيناك لليسار لتجد قطع حديدية عبارة عن آلة يدوية لا تعرف استخدامها أو المنتج الذى ستخرجه ويتبادر فى ذهنك عشرات الأشياء التى يمكن أن تنتجها وفى يمين المحل يقف صاحبه الذى ورث المهنة عن والده من الأربعينيات وتعلم مهنة صناعة الطرابيش التى كانت سائدة وقتها.
وفى عهد محمد على عرفت الطرابيش التى كانت من المكونات الأساسية فى الزى الحكومى آنذاك ومظهرًا من مظاهر الوقار كما هى العادة فى صعيد مصر بالنسبة للعمامة التى ترتدى مع الجلباب البلدي، وكان الموظفين يرتدون الطربوش ويعاقبون فى حال عدم ارتدائه.
ومن الوقار إلى التميز، يرتدى الأئمة وشيوخ المعاهد الأزهرية وطلاب الأزهر الطربوش أثناء الذهاب إلى أعمالهم ومدارسهم ليعيد إقبالهم على شراء الطرابيش إحياء تلك الصنعة التى كانت تقارب على الإندثار وتتراجع الأيدى العاملة فيها والأماكن التى تطرحها للزبائن والمحلات.
ونشأ الطربوش فى المغرب وانتشر فى عهد الإمبراطورية العثمانية فى القرن التاسع عشر، ويسمى فى اللغات الأوروبية بكلمة FEZ وهى تعنى مدينة فاس إحدى مدن المغرب، حيث ثم ارتداؤه بكثرة لدى شعوب شمال أفريقيا ومصر وتركيا والشام، وظل الطربوش طوال أجيال غطاء الرأس الوطنى فى الدولة العثمانية ثم تركيا، ولكن كمال أتاتورك أصدر عام 1925 م، أمراً بإلغائه.
قال أشرف حسني، صانع طرابيش بقنا، إن محله أقدم محل يعمل فى صناعة الطرابيش من الأربعينيات وورث الصنعة عن والده الذى كان يعمل فيها وكذلك تعلم الصنعة منذ ما يزيد عن 20 عاما بجانب عمله فى الكى الذى يساعده بجانب عمله فى صناعة الطرابيش بالمحل.
وأشار أشرف إلى أنه يجرى عمل الطربوش من الخوص المستخلص من زعف النخيل الذى يجلب جاهزًا من أماكن متعددة ويكون شكل الطربوش من الداخل تمهيدًا لوضع القماش وحياكته، ومن ثم يوضع القماش وتسخين قوالب السكاكين ويضلع الطربوش على الآلة اليدوية، مع وضعه ساعه على القالب النحاسي، كما أن مادة الصوف المستخدمة تستورد من بلدان مثل الهند وفرنسا والصين.
وأوضح صانع الطرابيش، أن الإقبال على شراء الطرابيش ما زال قائم وهناك زبائن يقصدون محله لشراء الطرابيش مثل مشايخ الأزهر وقراء القرآن الكريم وفى السابق كان يزور عبد الباسط عبد الصمد المحل ويرتدى طرابيش منه، وكذلك الشيخ سلمان الحلفاوى يأتى إلى حفلة فى محافظة قنا يزور المكان ويحصل على طربوشه الذى يصنع له.
"مفيش حد شغال فيها دلوقتي" هكذا تابع أشرف حسنى صانع الطرابيش حديثه عن المهنة مؤكدًا أنه الوحيد الذى استمر فى صناعة الطرابيش فى محافظة قنا ولا يوجد صناع للمهنة فى الوقت الحالى غيره، كما أن الإقبال عليها تراجع مقارنة فى السابق والأزمنة القديمة التى كان الطربوش جزءً أساسيًا من زى الأشخاص كما نراه فى أفلام الأبيض والأسود.
روائح الزمن الجميل (4)
روائح الزمن الجميل (1)
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة