جاءت سنة 100 من الهجرة، وكان عمر بن عبد العزيز يتولى حكم البلاد، وهى سنة حافلة بالأحداث، فما الذى يقوله التراث الإسلامي عن هذه السنة؟
يقول كتاب البداية والنهاية تحت عنوان "سنة مائة من الهجرة النبوية".
وفيها خرجت خارجة من الحرورية بالعراق، فبعث أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد نائب الكوفة، يأمره بأن يدعوهم إلى الحق، ويتلطف بهم، ولا يقاتلهم حتى يفسدوا فى الأرض، فلما فعلوا ذلك بعث إليهم جيشا فكسرهم الحرورية، فبعث عمر إليه يلومه على جيشه، وأرسل عمر ابن عمه مسلمة بن عبد الملك من الجزيرة إلى حربهم، فأظفره الله بهم، وقد أرسل عمر إلى كبير الخوارج - وكان يقال له: بسطام - يقول له: ما أخرجك عليّ؟ فإن كنت خرجت غضا لله فأنا أحق بذلك منك، ولست أولى بذلك مني، وهلم أناظرك، فإن رأيت حقا اتبعته، وإن أبديت حقا نظرنا فيه.
فبعث طائفة من أصحابه إليه فاختار منهم عمر رجلين فسألهما: ماذا تنقمون؟ فقالا: جعلك يزيد بن عبد الملك من بعدك، فقال: إنى لم أجعله أبدا وإنما جعله غيري. قالا: فكيف ترضى به أمينا للأمة من بعدك؟ فقال: أنظرانى ثلاثة، فيقال إن بنى أمية دست إليه سما فقتلوه خشية أن يخرج الأمر من أيديهم ويمنعهم الأموال، والله أعلم.
وفيها غزا عمر بن الوليد بن هشام المعيطي، وعمر بن قيس الكندى من أهل حمص، الصائفة.
وفيها ولى عمر بن عبد العزيز عمر بن هبيرة الجزيرة فسار إليها.
وفيها حمل يزيد بن المهلب إلى عمر بن عبد العزيز من العراق، فأرسله عدى بن أرطاة نائب البصرة مع موسى بن وجيه، وكان عمر يبغض يزيد بن المهلب وأهل بيته، ويقول هؤلاء جبابرة ولا أحب مثلهم، فلما دخل على عمر طالبه بما قبله من الأموال التى كان قد كتب إلى سليمان أنها حاصلة عنده، فقال: إنما كتبت ذلك لأرهب الأعداء بذلك، ولم يكن بينى وبين سليمان شيء، وقد عرفت مكانتى عنده. فقال له عمر: لا أسمع منك هذا، ولست أطلقك حتى تؤدى أموال المسلمين، وأمر بسجنه.
وكان عمر قد بعث على إمرة خراسان الجراح بن عبد الله الحكمى عوضه، وقدم ولد يزيد بن المهلب، مخلد بن يزيد، فقال: يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قد منَّ على هذه الأمة بولايتك عليها، فلا نكونن نحن أشقى الناس بك، فعلام تحبس هذا الشيخ وأنا أقوم له أتصالحنى عنه؟ فقال عمر: لا أصالحك عنه إلا أن تقوم بجميع ما يطلب منه، ولا آخذ منه إلا جميع ما عنده من مال المسلمين. فقال: يا أمير المؤمنين إن كانت لك بينة عليه بما تقول وإلا فاقبل يمينه أو فصالحنى عنه، فقال: لا آخذ منه إلا جميع ما عنده. فخرج مخلد بن يزيد من عند عمر، فلم يلبث أن مات مخلد. وكان عمر يقول: هو خير من أبيه.
ثم إن عمر أمر بأن يلبس يزيد بن المهلب جبة صوف ويركب على بعير إلى جزيرة دهلك التى كان ينفى إليها الفساق، فشفعوا فيه فرده إلى السجن، فلم يزل به حتى مرض عمر مرضه الذى مات فيه، فهرب من السجن وهو مريض، وعلم أنه يموت فى مرضه ذلك، وبذلك كتب إليه كما سيأتي، وأظنه كان عالما أن عمر قد سقى سما.
وفيها فى رمضان منها عزل عمر بن عبد العزيز الجراح بن عبد الله الحكمى عن إمرة خراسان، بعد سنة وخمسة أشهر، وإنما عزله لأنه كان يأخذ الجزية ممن أسلم من الكفار ويقول: أنتم إنما تسلمون فرارا منها. فامتنعوا من الإسلام وثبتوا على دينهم وأدوا الجزية، فكتب إليه عمر: إن الله إنما بعث محمدا (ﷺ) داعيا، ولم يبعثه جابيا. وعزله وولى بدله عبد الرحمن بن نعيم القشيرى على الحرب، وعبد الرحمن بن عبد الله على الخراج.
وفيها كتب عمر إلى عماله يأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر، ويبين لهم الحق ويوضحه لهم ويعظهم فيما بينه وبينهم، ويخوفهم بأس الله وانتقامه، وكان فيما كتب إلى عبد الرحمن بن نعيم القشيري:
أما بعد فكن عبد الله ناصحا لله فى عباده، ولا تأخذك فى الله لومة لائم، فإن الله أولى بك من الناس، وحقه عليك أعظم، ولا تولين شيئا من أمور المسلمين إلا المعروف بالنصيحة لهم، والتوفير عليهم. وأدَّى الأمانة فيما استرعي، وإياك أن يكون ميلك ميلا إلى غير الحق، فإن الله لا تخفى عليه خافية، ولا تذهبن عن الله مذهبا، فإنه لا ملجأ من الله إلا إليه.
وكتب مثل ذلك مواعظ كثيرة إلى العمال. وقال البخارى فى صحيحه: وكتب عمر إلى عدى بن عدي: إن للإيمان فرائض وشرائع وحدودا وسننا، من استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة