حالة من عدم اليقين تسود العلاقات الفرنسية ـ الأمريكية بعد الأزمة التي نشبت قبل أسابيع، حينما تراجعت استراليا عن صفقة غواصات كان مقرراً إبرامها مع باريس، لتختار في المقابل شراكة مع الولايات المتحدة وهو ما دشن خلافاً واسعاً بين الحكومة الفرنسية ونظيرتها الاسترالية من جهة، وبين باريس وواشنطن من جهة آخري.
وبعد ثلاثة أسابيع على قيام الرئيس الأمريكي بمفاجأة نظيره الفرنسي بإعلانه عن تحالف استراتيجي جديد بين المحيطين الهندي والهادئ مع أستراليا والمملكة المتحدة ، لا تزال واشنطن ـ بحسب تقرير نشرته مجلة بوليتيكو الأمريكية ـ تكافح لإصلاح الضرر الدبلوماسي، ومن الواضح ان ماكرون لا يزال منزعجا ويصر على أن يظهر البيت الأبيض ندمه بالافعال وليس بالكلمات فقط.
بلينكين خلال مباحثاته مع المسئولين الفرنسيين
وفى تصريح خاص للمجلة الأمريكية، رداً علي سؤال عما إذا كان واثقًا الآن من أن بايدن أدرك أهمية فرنسا كحليف، أجاب ماكرون باقتضاب باللغة الإنجليزية: "سنرى"، وتابع: "أنا فقط أؤمن بالحقائق.. أعتقد أنه من الممكن. وأعتقد أنه أكثر إنتاجية لكلينا. سوف أرى. وأعتقد أننا قررنا أن نناقش معًا في منتصف أكتوبر، وسوف نلحق بالركب خلال مجموعة العشرين وأعتقد أنها ستكون فرصة مناسبة لنرى كيف يمكننا إعادة الانخراط بشكل ملموس ".
وفي وقت سابق، استدعى ماكرون السفير الفرنسي من واشنطن ثم رفض الاستجابة لدعوة بايدن لعدة أيام بعد الإعلان المفاجئ عن تحالف الهند والمحيط الهادئ، المعروف باسم AUKUS، والذي أدى أيضًا إلى خسارة فرنسا لعقد يزيد عن 50 مليار يورو لبناء غواصات لأستراليا.
عندما تحدث الرجلان أخيرًا، حاول بايدن التخفيف من احتدام الأزمة بإصدار بيان مشترك أقر فيه بأن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تترك فرنسا في الظلام، وأقر بأهمية وجود أوروبي أقوى.
وحذر بعض المسؤولين والدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي من أن ماكرون يهدد العلاقات عبر الأطلسي من خلال جعل الخلاف بين باريس وواشنطن قضية توتر بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأكمله، غير أن عدد من قادة الاتحاد الأوروبي اتهموا بايدن بسرعة بـ "عدم الولاء" بعدم استشارة باريس أو بروكسل حول الشراكة بين الهند والمحيط الهادئ.
وتابع ماكرون في تصريحاته للمجلة: سأحكم على حالة العلاقات الأمريكية الفرنسية بناءً على تصرفات بايدن وليس أقواله.. وجهة نظري هي ليست قضية الكلمات أو التصورات. إنها قضية تتعلق بالحقائق وما يجب القيام به معًا ".
وفي نفس السياق، التقى وزير الخارجية انتوني بلينكين بنظيره الفرنسي جان إيف لودريان والرئيس إيمانويل ماكون في باريس امس الثلاثاء وسط توترات بين البلدين، ووصف مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية لقاءات بلينكن الرسمية بأنها "مثمرة للغاية" ، لكن كلا من الولايات المتحدة والفرنسيين اتفقا على أنه لا يزال هناك عمل لإصلاح العلاقة التي هزتها شراكة الدفاع الجديدة لإدارة بايدن مع المملكة المتحدة وأستراليا.
وفي مقابلة أجراها التلفزيون الفرنسي، وجه المحاور سؤالا يعكس حالة الغضب، حيث قال : كنا نتوقع حوار أفضل خاصة مع تغيير الإدارة.
وقال بلينكين، الذي تحدث بالفرنسية خلال المقابلة ، إنه يتفهم الإحساس بالخيانة وأن الأمريكيين يدركون أنه كان ينبغي أن يكون أداؤهم أفضل فيما يتعلق بالتواصل، واعترف بأن الولايات المتحدة تميل أحيانًا إلى اعتبار علاقة مهمة وعميقة مثل العلاقة مع فرنسا كأمر مسلم به.
واعترف مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية بأنه عندما يتعلق الأمر بإصلاح العلاقة، فإنها ما زالت في المراحل الأولى من القيام بذلك ووصف المسؤول اجتماعات بلينكين الثلاثاء مع المسؤولين الفرنسيين بأنها "جادة".
ووفقا للتقرير، تواجد بلينكن في باريس لحضور اجتماعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لكن الطاقة الدبلوماسية الأمريكية الأكثر كثافة تركز على إصلاح الخلاف مع فرنسا بعد تن انتقد المسؤولون هناك فشل إدارة بايدن في إخبارهم بتحالف "AUKUS"
وركز بلينكين على "البحث في بعض التفاصيل حول - أين توجد المصالح المشتركة وكيف يمكن تفعيلها أو تطويرها من أجل الرؤساء عندما يجتمعون في وقت لاحق من هذا الشهر.
وقال مسؤول إن اجتماع بلينكن مع ماكرون لم يكن مخططا له في البداية ، لذا فإن لقاء الرئيس الفرنسي مع بلينكين ينظر إليه على أنه إشارة إيجابية من قبل الولايات المتحدة.
في مقابلته التلفزيونية، وعد بلينكين بمشاورات أوثق حول قضايا الأمن القومي الرئيسية التي تواجه فرنسا ، مثل استقرار منطقة الساحل الأفريقي وتجديد حلف الناتو، وقال: "هناك الآن فرصة مهمة للغاية ... لتعميق هذا التعاون والتنسيق ، سواء في منطقة الساحل أو في المحيطين الهندي والهادئ أو في القضايا عبر الأطلسي".
وقالت وزارة الخارجية في بيان للاجتماع إن بلينكين ولودريان اتفقا أيضا على البقاء على اتصال وثيق بشأن أفغانستان وناقشا أهمية التزام طالبان يوعودها.