قال العقيد متقاعد فاروق محمود عبد العزيز: كنت متفوقا فى دراستى الثانوية والتحقت بكلية الهندسة وكنت أهوى كتابة الشعر وتم قبولى بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية وجاءت نكسة 1967 لتغير مسار حياتى بعدما رأيت أشلاء وجماجم الأطفال فى مدينة الإسماعيلية تملأ الشوارع، بالإضافة إلى استشهاد أخى فى تلك الحرب، فتركت تلك المشاهد فى نفسى رغبة كبيرة فى الثأر من العدو، والتحقت بالجيش عام 1970 وتركت دراستى بكلية الهندسة والتحقت بالكلية الجوية وكان مديرها فى ذلك الوقت الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك.
وأضاف أن أهالى الإسماعيلية تركوا مساكنهم جراء الدمار الذى لحق بمدن القناة، فذهب مع أهله إلى حى إمبابة بالجيزة، وبعد التحاقه بالجيش ذهب إلى الاتحاد السوفييتى للتدريب على قيادة الطائرة «سوخوى 9» وكانت تعد أحدث طائرة آنذاك، وخلال التدريبات أصيب فى قدمه وتم علاجه، وحينما عاد إلى مصر وتقرر نقله للطيران المدني، إلا أنه رفض ترك الجيش فالتحق بسلاح المدرعات.
وكشف "عبد العزيز" أن هناك سربًا من الطائرات لم يتم تدميره في 1967؛ حيث كان من المقرر وصول تلك الطائرات إلى مصر فى ليلة الرابع من يونيو قبل "النكسة" بيوم واحد، ولكن تأخر وصوله أنقذه من التدمير بالكامل، وهبط فى مطار أسوان.
وأشار العقيد فاروق عبد العزيز، إلى أن التدريب على خطة عبور القناة وتدمير الساتر الترابى بخراطيم المياه، تم فى عدد من محافظات مصر وهى الفكرة التى ابتكرها اللواء باقى يوسف، بالجيش الثالث الميدانى فى حرب أكتوبر المجيدة.
وعن الأيام القليلة قبل حرب أكتوبر، يقول: فى 3 أكتوبر كنت فى إجازة والتقيت زملائى فى نادى الضباط بشيراتون، وحينما ذهبت إلى هناك لم أجد أيًّا من الضباط، وعلمت أن كثيرًا منهم استُدعوا من إجازاتهم فذهبت إلى مشاة فى الكيلو 7 بالسويس التى كنت ملحقا عليها، فاكتشف أنهم ذهبوا للتدريب بموقع «حوض الدرس» بقناة السويس، وكان تدريبًا اعتياديًا نفذناه مرات قبل ذلك.
وأكد أن العدو كان يستطلع من على قناة السويس وشاهد خط بارليف المنيع أثناء تشييده من العدو الصهيونى ولفت نظره أن العدو الصهيوني يقوم بإنشاء تبة أخرى خلف خط بارليف اعتقادا من العدو الصهيوني أن لو الجيش المصرى نجح فى اقتحام خط بارليف الأول فلا يستطيع اقتحام الثانى ولكن الحمد لله كتب الله لنا النصر على العدو الصهيونى.
وأشار إلى أنه كان يشاهد النيران تخرج من باطن قناة السويس من خلال مواسير النابال المتصلة بالبترول وذلك بهدف أن يرهبنا العدو وكان العدو يكرر هذه النيران التى تخرج من باطن القناة.
أما عن يوم العبور يواصل "فاروق" سرده للأحداث؛ فيشير إلى أنه فى تمام التاسعة من صباح 6 أكتوبر، أخبرهم قائد الكتيبة، بأن هناك احتمالا للعبور اليوم، وأصدر أوامره للمشاة بضخ الهواء داخل القوارب بدءًا من الثانية عشرة ظهرًا، وكانت القوارب مخفاة تحت الرمال لا يظهر منها إلا الجزء الذى يُمكن الجندى من ضخ الهواء من خلاله. وشهدت الجهة المقابلة للنقطة التى كان يتمركز فيها بالضفة الغربية للقناة تصرفات استفزازية كان يمارسها جنود العدو، فيقول: "كانوا كاتبين بالحجارة قدامنا: إلى اللقاء فى القاهرة باللغة العربية".
ويقول: "فى تمام الثانية من ظهر يوم السادس من أكتوبر 1973، دوّى أزيز الطائرات فى السماء، وانطلقت لتحرير الأرض، من العدو الغاصب، ولكن بعد دقيقتين فقط من انطلاق الطائرات، حدث ما لم يكن فى الحسبان؛ حيث شاهدت "الاحتياطى القريب للعدو"، ويتكون من 3 دبابات يتقدمون لاحتلال مصاطب بالقناة فى قطاع المسئولية أمام وحدتى مباشرة، فاضطررت لإعطاء بلاغ قتال سريع وطارئ لقائدى بأنى سأبدأ الضرب قبل احتلال دبابات العدو للمصاطب، وبالفعل أطلقت من دبابتى «تى 34» أول طلقة فى حرب أكتوبر، وكانت فى تمام الثانية وثلاث دقائق، وأصيبت إحدى الدبابات الثلاث وانسحبت الدبابتان الأخريان، وتمكنت فيما بعد من ضرب برج المراقبة، وسقط الجندى المتمركز عليها، وكانت هذه أول طلقة موجهة ضد العدو فى الحرب.
يذكر العقيد المتقاعد أن المهمة الرئيسية التى كان مكلفا بها فى الحرب هى تأمين قوات مشاة الضفة الغربية قبل العبور، وإسكات نيران النقطة القوية «الجباسات»، وهى إحدى النقاط الحصينة بخط بارليف وفتح ثغرات بها لصعود المشاة فوقها.
وكانت تلك النقطة تحتل موقعا استراتيجيا يمكنها من إصابة أى مجموعة تحاول اقتحامها بكل سهولة، وهو ما حدث بالفعل مع المجموعة المكلفة باقتحامها؛ حيث فوجئ «عبدالعزيز» بقائد السرية يهرول نحوه ليخبره باستشهاد معظم أفراد قوة الاقتحام. نتيجة لما سبق كان عليه قيادة دبابة لاقتحام نقطة الجباسات ليتمكن بقية الأفراد من الدخول، وأطلق عليها مسمى «الدبابة الشهيدة» نظرًا لوقوعها فى مرمى نيران كثيفة من العدو خلف حصون وموانع صعب اختراقها، بالإضافة إلى استهداف طيران العدو للدبابة، ولكنه تمكن من مراوغتهم والهروب من نيرانهم، مستعينا بخبرته السابقة فى الطيران.
واقتحمت الموقع وأضرمت النيران فى مخزنى الذخيرة والوقود الخاصين بالعدو الصهيونى، فتوالت الانفجارات وتصاعدات ألسنة النيران، وهكذا تم إنجاز المهمة بنجاح بقيادة العقيد عبدالعزيز، وتحررت «الجباسات» فى الحادية عشرة من صباح يوم الاثنين 9 أكتوبر 1973، وأسر 18 جنديا وضابطا إسرائيليا، ونزع علم العدو ورفع علم مصر. بعد استعادة نقطة الجباسات تصاعدت الأدخنة فى كل مكان، ولم ينقذه من الاختناق إلا قناع جندى استطلاع إسرائيلى تبادل ارتداءه مع جندى اسمه «زكي»، حتى تمكنا من الخروج سالمين، وظل محتفظا بذلك القناع حتى اليوم بحوزته، كما رسم العقيد فارق عبدالعزيز لوحة مصغرة للحظة تحرير نقطة الجباسات من العدو الصهيوني.