من بين القرارات الحكومية المهمة في مصر، قرار مجلس الوزراء برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي في أواخر عام 2018 بتشكيل لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية برئاسة وزير البترول والثروة المعدنية واجتماعها كل ثلاثة شهور.
القرار يلزم اللجنة بتعديل أسعار الوقود صعودا أو هبوطا بشكل تدريجي وبقدر محدود حتى يستطيع المواطنين التكيف مع الأسعار الجديدة وفقا لسعر خام برنت العالمي صعودا وهبوطا أيضا. وكانت اللجنة قد بدأت بتسعير بنزين 95 ثم أضافت باقى المنتجات البترولية مثل بنزين 92 و80 والمازوت والسولار.
الرأي الموضوعي في هذا الامر لابد أن يؤكد أننا تأخرنا كثير في تشكيل مثل هذه اللجنة مع بداية برنامج الإصلاح الاقتصادي أو ما يسمى ببرنامج " الخصخصة" وتطبيق شروط برنامج صندوق النقد الدولي في بداية التسعينات في عهد حكومة عاطف صدقي ثم عاطف عبيد وكمال الجنزوري لضبط تكلفة دعم الوقود وتوظيفه لصالح خدمات اجتماعية وصحية وتعليمية آخرى.
فقد استمر الدعم الخاص بالمحروقات حتى تجاوز ما يقرب من 200 مليار جنيه-على حساب بنود اجتماعية آخرى-، حتى عام 2016 مع البداية الحقيقية لبرنامج الاصلاح الاقتصادي ونهج مبدا الشفافية والمصارحة مع الشعب وخاصة ان من سوف يتأثر بالقرار الخاص بأسعار البنزين تحديدا هم أصحاب السيارات الخاصة. ووفقا لجهاز التعبئة والاحصاء فهناك ما بين5-7 ملايين مركبة خاصة في مصر تزيد بنسبة كبيرة سنويا، بما يعني أن حوالي 10% فقط من اجمالي عدد السكان يتأثرون صعودا وهبوطا مع أسعار البنزين
وحسب الأرقام، فالحكومة قامت برفع أسعار الوقود أربع مرات منذ أن الاتفاق على برنامج صندوق النقد الدولي فى أواخر عام 2016. ثم أصدرت القرار الخاص بلجنة التسعير وكانت لها بالفعل نتائج إيجابية، ففي ميزانية 2019-2020 فقد بلغ دعم المواد البترولية 52.9 مليار جنيه مقابل مقابل 89 مليار جنيه بالميزانية الماضية وقبلها هبطت تكلفة دعم الوقود 29.6% بالسنة المالية 2018-2019 لحوالي 85 مليار جنيه بالمقارنة مع 120.8 مليار فى السنة المالية السابقة.. وهنا تثار التساؤلات –كالعادة- وأين تذهب فروقات الدعم، هناك بالتأكيد بنود في أمس الحاجة لزيادة الميزانية الخاصة بها مثل بنود التعليم والصحة والبحث العلمي والإسكان والبرامج الاجتماعية الحمائية من تداعيات برنامج الإصلاح الاقتصادي وهذا هو ما حدث بالفعل منذ عام 2016 وما نشاهده من اهتمام الدولة ببرامج الصحة والإسكان وتطوير التعليم وزيادة ميزانيات برامج تكافل وكرامة وزيادة المعاشات والمرتبات أيضا.
ومع الاستمرار في عمل لجنة تسعير المنتجات البترولية الربع سنوي والذي يتم وفقا لمعايير دولية ومحلية، فقد تراجعت تكلفة دعم الطاقة الى نحو النصف تقريبا في ميزانية 2020/2021 فقد خصصت وزارة المالية 28.1 مليار جنيه لدعم المنتجات البترولية في العام المالي الجديد مقارنة بـ 52.9 مليار في العام المالي السابق
ووفقا لموازنة 2021/2022 فالحكومة تستهدف خفض دعم المواد البترولية إلى 18.411 مليار جنيه مقارنة مع 28.193 مليار جنيه بالعام السابق. ويعكس هذا المستهدف تراجعا بنسبة 35% في قيمة الدعم المخصص للمواد البترولية. في حين تستهدف دعم السلع التموينية بقيمة 87.2 مليار جنيه، مقارنة مع 84.4 مليار متوقعة في العام المالي السابق.
وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي ترفع فيها لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية أسعار الوقود، منذ تأسيسها في أكتوبر 2019
فلجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية اتخذت 9 قرارات منذ تحرير أسعار البنزين والسولار في يوليو 2019، هي، خفض أسعار البنزين 25 قرشا للتر وتثبيت السولار في أكتوبر 2019.، تثبيت أسعار البنزين والسولار في يناير 2020.،خفض أسعار البنزين 25 قرشا للتر وتثبيت السولار في أبريل 2020.تثبيت أسعار البنزين والسولار في يوليو 2020.تثبيت أسعار البنزين والسولار في أكتوبر.تثبيت أسعار البنزين والسولار في يناير حتي مارس 2021.
وحتى لا ننسى أيضا بأن التخفيضات السابقة لدعم الطاقة وانهيار أسعار البترول عالميا، منحت المجال للحكومة لتقليص الدعم وتخفيض أسعار الطاقة للمصانع في نفس الوقت، لمساعدة الشركات على تجاوز أزمة "كورونا" وتداعياتها
الناس أصبحت أكثر وعيا بما يحدث بالنسبة لأسعار المحروقات أو الوقود ومع اقتراب نهاية كل ربع سنة في مصر، أصبح موضوع سعر البنزين الجديد هو الموضوع الأكثر بحثا وحديثا بين المواطنين، فكثيرون يتابعون سعر النفط عالميا وسعر الدولار محليا وحجم الإنتاج والاستهلاك داخل مصر وذلك لمعرفة مصير سعر البنزين الجديد الذي يحدد كل ثلاثة أشهر.
ويبقى السؤال هل نصل الى آلية جديدة آخرى لتسعير الوقود في المستقبل مثلما حدث في معظم دول أوروبا ...؟ فمحطات الوقود هناك تعلق شاشات الكترونية في مداخلها ترتبط بأسعار النفط العالمية يراها المستهلك قبل " التفويل" أو الحصول على جالونات وليترات محددة من البنزين.