بيشوى رمزى

استراتيجية إعادة تدوير "التريند"

الإثنين، 15 نوفمبر 2021 04:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مع اندلاع "الربيع العربى"، أو قبل ذلك بقليل، كان "التريند" سلاحا، يستخدمه دعاة الفوضى، لتقويض الاستقرار في المجتمعات، عبر إثارة الشائعات المغرضة، والتي كانت تهدف في الأساس إلى تأليب الرأي العام، أحيانا، والاستقواء بالخارج، أحيانا أخرى، عبر الترويج لأكاذيب ومغالطات، ربما يصل مداها إلى إثارة الفتن، وإشعال فتيل العنف والإرهاب، وهو الأمر الذى أتى بثماره، منذ عقد من الزمان، وترتب عليه الكثير من التداعيات، سواء على المستوى السياسى، وهو ما تجلى في سقوط الأنظمة، أو الاقتصادى، من خلال التأثيرات الكبيرة التى طالت المواطنين إثر توقف الحياة بصورة كاملة لسنوات، ولكن يبقى التأثير الأكبر مجتمعيا، عبر فجوة أحدثها الشقاق السياسى، ليس على مستوى المجتمع، وإنما في نطاق الأسرة الواحدة، إثر خلافات سياسية بين الأباء، والأبناء، تحولت من مجرد خلافات فرعية، على اعتبار أن الرؤى السياسية ليست من "ثوابت" الحياة، إلى شقاق حقيقى، شهدت فيه بعض العائلات تخليا صريحا عن "ثوابت" تقليدية أرساها الدين والمجتمع لقرون طويلة، حول أساليب التعامل والاحترام والتوقير التي ينبغي أن تسود الأجواء الأسرية.

ولعل الملفت للانتباه أن "جهابذة" التحليل، الذين سعوا إلى "مباركة" الظواهر الشاذة، اتجهوا إلى التأكيد عبر المنصات الإلكترونية وأحيانا الإعلامية إلى التأكيد على أن مثل هذه الحالة تبدو "صحية"، على اعتبار أن الخلاف في الرأي يبقى سمة طبيعية، داخل المجتمعات، إلا أنهم نسوا، أو بالأحرى تناسوا، أن الخلاف ليس "فتنة"، ولا يقوم على الشقاق أو الانقسام، ولا يعتمد مبادئ التخوين والإساءة، وبالتالي فكانت "أعراض" الحالة المجتمعية، في أوطاننا العربية، تنم عن "فيروس" خطير، بات ينخر في عظام البلاد والعباد، تجلى في مشاهد العنف في الشوارع، والتي لم تفرق بين شاب أو مسن، أو رجل أو امرأة، في مؤشر كان واضحا على تفشى الحالة وتفاقمها.

وهنا يبدو أن المشهد كان صراعيا، إبان ما يسمى بـ"الربيع العربى"، ليس فقط بين الطامعين في السلطة، أو أصحاب التوجهات الأيديولوجية المختلفة، أو حتى بين من سموا أنفسهم بـ"الثوار"، وغيرهم ممن أسموهم "فلول"، ولكنها في جوهرها كانت معركة على تفتيت المجتمع، وهو ما يبدو في تبرير مشاهد العنف من قبل "خبراء" الفتنة والدم، بل وتأجيجها، بكلمة على مواقع التواصل الاجتماعى، فيما يمكننا تسميته بسياسة "إطالة أمد الفتنة" حتى يمكن من خلالها تحقيق أكبر قدر من الشقاق المجتمعى حتى يصل إلى الذروة، وبالتالي يصبح التئامه مجددا أشبة بـ"المهمة المستحيلة"، وهو الأمر الذى يجد مرجعيته في الأساس إلى الرغبة في تنفيذ مخطط "الشرق الأوسط الجديد"، والتي يقوم في الأساس على تقسيم الدول إلى دويلات، بهدف تفتيتها وإضعافها.

وعلى الرغم من النجاح المنقطع النظير الذى حققته دول المنطقة، بقيادة مصر، في وأد فتنة "الربيع العربى"، في أعقاب ثورة 30 يونيو، يبدو أن ثمة معركة جديدة، تلوح في الأفق، تقوم على ما يمكننا تسميته بـ"إعادة تدوير التريند"، عبر نشر قضايا قديمة، وربما معروفة للجميع، من أجل إثارة الجدل حولها من جديد، ومن ثم إحياء الانقسام المجتمعى، بينما تبقى المسألة الطائفية أحد النقاط الرخوة التي يمكن اختراقها، لتحقيق هذا الهدف، في ظل حساسية النزعة الدينية التي تبقى أحد السمات الرئيسية التي تميز الشرقيين بشكل عام، والمجتمعات العربية بصورة خاصة.

الاستراتيجية الجديدة التي يتبناها دعاة الفوضى تعكس حالة من "الإفلاس"، خاصة في ظل نجاحات كبيرة شهدتها الدول في السنوات الأخيرة، خاصة في مصر، فيما يتعلق بالجوانب الأمنية، وهو ما بدا بوضوح في القرار الذى اتخذه الرئيس عبد الفتاح السيسى، برفع حالة الطوارئ، أو الجانب الاقتصادى، عبر مشروعات عملاقة وخطوات جادة لجذب المستثمرين، ناهيك عن اللحمة المجتمعية التي ولدت من "رحم" الميادين، في 30 يونيو، عندما احتشد ملايين المصريين بمختلف توجهاتهم وألوانهم وأفكارهم، صوب القائد الذى يمكنه انتشالهم من المستنقع الذى ألقاهم فيه "التريند" يوما ما.

وهنا يبقى الرهان الأهم على وعى المواطن، سواء في مصر أو في الدول العربية الأخرى، وإدراكه للكيفية التي يفكر بها دعاة الفتن، وكذلك أساليبهم القائمة على استخدام بعض القضايا ذات الحساسية الكبيرة في الشارع لتأجيج مشاعرهم، وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وهو الأمر الذى ينبغي الالتفات إليه جيدا، قبل الإنجرار وراء "تريند" قديم، لايهدف في جوهره إلى الانتصار لمبدأ وإنما في حقيقته يبقى بمثابة "خنجر" يستهدف الجميع بدون استثناء، ليخرج الكل خاسرا في النهاية.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة