خرج مصطفى النحاس باشا، زعيم حزب الوفد، ورئيس الحكومة، من مسكنه بمصر الجديدة، متوجها إلى مقر مجلس الوزراء يوم 28 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1937، وفوجئ بإطلاق أربع رصاصات عليه لم تصبه، لكنها أصابت باب سيارته، وقبض الحرس المرافقون له على الجانى، وتبين أنه عز الدين عبدالقادر، عضو «مصر الفتاة»، حسبما يذكر الدكتور على شلبى فى كتابه «مصر الفتاة ودورها فى السياسة المصرية 1933 1941».
جاءت محاولة الاغتيال تتويجا لسنوات من العداء بين «الوفد» و«مصر الفتاة» منذ أن أعلن أحمد حسين قيامها كجمعية فى 21 أكتوبر 1933، وشعارها «الله، الوطن، الملك»، ووفقا لـ«شلبى»: «جعلت غايتها أن تصبح مصر فوق الجميع إمبراطورية عظيمة تتألف من مصر والسودان، وتحالف الدول العربية، وتتزعم الإسلام، وهى من أجل تحقيق تلك الغايات فى حاجة إلى دم الشباب من الجيل الجديد، فعلى جنود مصر الفتاة تقع تبعة بعث المجد القديم».
يذكر «شلبى»، أن إنشاء جمعية «مصر الفتاة»، قوبل بإعراض تام وبتشكك واضح من كل القوى السياسية فى ذلك الوقت، مضيفا: «اعتبرها الوفد دسيسة عليه لاستقطاب جماهيره من الشباب، وصرح النحاس باشا أن على الوفد أن يحارب أحمد حسين وجماعته، وذلك لتشكك النحاس فى هويتها، كما راعه أن تكون الجمعية قادرة على إصدار مجلة، وافتتاح مكتب لها فى القاهرة، وآخر فى الإسكندرية، وساوره الشك فى مصدر المال لهذا النشاط».
فاز حزب الوفد فى انتخابات 1936، وتحولت «مصر الفتاة» من جمعية إلى حزب فى 31 ديسمبر 1963، وتولى النحاس باشا، رئاسة الحكومة، واحتدم الصدام بين الطرفين، يؤكد «شلبى»: «كان مجال الصدامات بين الفريقين أوسع، وفكر أحمد حسين وزملاؤه فى مشروع يبعدهم عن الصدام، ففكر فى القيام برحلة من الشلال إلى القاهرة سيرا على الأقدام بهدف الدعاية للجمعية، وكسب مزيد من الأنصار والأعضاء، إلا أن وزارة الوفد حاربت الفكرة وإن لم تمنعها، فقد ضيقت الخناق على القائمين بها، ومنعتهم من ارتداء قمصانهم الخضراء، زى جمعيتهم الرسمى، وبلغ التوتر بين الطرفين قمته، عندما صرح «النحاس» فى مجلس النواب أنه تأكد لديه أن جمعية مصر الفتاة تعمل لصالح دولة أجنبية، فطالبه أعضاء المعارضة بتقديم الوثائق التى تؤيد ثبوت التهمة، ولكنه رفض بحجة أنها تمس أمن البلاد».
تواصل الصدام بين الطرفين، ويعدد «شلبى» مجالاته، ومنها مثلا، اتهام أحمد حسين لحكومة الوفد، بأنها قبطية النزعة، خاصة أن مكرم عبيد وواصف بطرس غالى أسندت إليهما وزارتا المالية والخارجية، كما اشتد الصراع حول مسألة الامتيازات الأجنبية، ففى يناير 1937 دعت حكومة الوفد الدول صاحبة الامتيازات إلى الاشتراك فى مؤتمر بمدينة «مونترو» بسويسرا يوم 12 إبريل من نفس العام، للمفاوضة فى إلغاء هذه الامتيازات، واستجابت تلك الدول للدعوة، لكن «مصر الفتاة» شرعت فى عقد مؤتمرات بالجامعة والجامع الأزهر، طالبت فيه بإلغاء الامتيازات بجرة قلم من الحكومة، وأن تلغى المحاكم المختلطة بعد إنذار الدول بعام واحد.
كانت الجامعة ساحة أخرى للصدام، يذكر «شلبى» أن طلبة مصر الفتاة قرروا إحداث الشغب بالجامعة، فخطب فيهم حمادة الناحل الطالب بكلية الحقوق، وترددت هتافات ضد النحاس باشا ووزارته، وفى 24 أكتوبر 1937 حدث الصدام بين الطلبة الوفديين وطلبة مصر الفتاة، وأنصارهم فتدخل البوليس معتديا على حرمة الجامعة.
بلغ صدام الطرفين ذروته فى 28 نوفمبر 1937 بمحاولة اغتيال «النحاس باشا»، يؤكد «شلبى»: «كان ذلك الحادث بمثابة الفتيل الذى أشعل القنبلة التى انفجرت، فأحالت حزب «مصر الفتاة» إلى حطام، واستغلته الحكومة فألقت القبض على كل من له صلة بـ«مصر الفتاة»، وبلغ عدد المقبوض عليهم على ذمة التحقيق 294 عضوا، وقامت النيابة بتفتيش دار الحزب فى القاهرة ومنازل زعمائه وأعضائه المعروفين للقلم السياسى، كما أمرت بتفتيش شعب الحزب فى بلاد القطر، ودور الأعضاء التابعين له، وأجرت تفتيش منزل محمد محمود باشا، رئيس حزب الأحرار الدستوريين، كما ركز البوليس على اعتقال الطلبة لتقديمهم للمحاكمة».
وفيما اعترف المتهم عزالدين عبدالقادر أمام النيابة، أنه أقدم على محاولته بنفسه ودون توجيه من أحد، وفعلها لأن معاهدة 1936 التى وقعها «النحاس» مع الإنجليز ليست فى صالح مصر، قال النحاس أمام النيابة، إنه كان هناك تدبير محكم بين «مصر الفتاة» وحلفائها من المناوئين للوفد ورئيسه، وكان هناك اتفاق على إحداث الشغب والثورة ولو أدى ذلك إلى سفك الدماء»، لم يكتف «النحاس» بذلك بل تقدم ببلاغ إلى النائب العام، يطالب بإجراء التحقيقات مع قيادات سياسية هى: «على ماهر باشا، محمد باشا محمود، إسماعيل صدقى باشا، محمد على علوبة باشا، بهى الدين بركات بك»، وغيرهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة