أصدرت الدائرة المدنية "أ" – بمحكمة النقض – حكماَ فريداَ من نوعه بشأن "موانع الشهادة"، رسخت فيه لمبدأين قضائيين، قالت فيه: الأصل فى الشهادة هو إخبار الشاهد بما أدركه بحواسه لا بما توصل إليه عن طريق الاستنتاج، وألا يقوم بالشاهد مانع من موانعها يدع للميل بشهادته إلى أحد الخصمين".
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 5371 لسنة 82 قضائية – برئاسة المستشار بليغ كمال، وعضوية المستشارين رمضان عثمان، والدكتور أحمد فاروق عوض، ومنير محمد أمين، وأحمد سيد يوسف.
الوقائع.. نزاع حول قضية تعويضات
وقائع النزاع – حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الطاعنين أقانوا على المطعون ضده بصفته الدعوى رقم 2973 لسنة 2010 مدنى شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإلزامه أن يؤدى لهم 200 ألف جنيه تعويضاَ مادياَ وأدبياَ وموروثاَ والفوائد حتى السداد، وقالوا بياناَ لذلك: إنه بتاريخ 30 أبريل 2010 وأثناء عبور مورثهم لمجاز السكة الحديدية صدمة القطار، فأحدث إصابته التي أودت بحياته، وإذ لحقهم أضرار من جراء ذلك، أقاموا الدعوى، وحكمت المحكمة بالتعويض الذى قدرته.
وفى تلك الأثناء – استأنف الطاعنون هذا الحكم، كما استأنف المطعون ضده أمام ذات المحكمة، وبعد أن ضمت الاستئنافين، قضت بتاريخ 28 فبراير 2012 بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى، ثم طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وقد عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة، فحددت جلسة لنظره، وفيها ألتزمت النيابة رأيها.
مذكرة الطعن تستند على الخطأ في تطبيق القانون لهذا السبب
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت أن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه الخطا في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ذلك أن الحكم أقام قضاءه بنفسى مسئولية المطعون ضدها استناداَ لأقوال شاهد عدل عنها ولأقوال حارس المجاز الذى وقع به الحادث برغم أنه تابع للمطعون ضده، ومن ثم فهو صاحب مصلحة في نفى التقصير عن نفسه وعن الهيئة التابع لها، وبذلك لا تصلح تلك الشهادة لحمل قضاء الحكم، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت أن هذا النعى في محله – ذلك ان المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه لما كان الأصل في الشهادة هو إخبار الشاهد بما ادركه بحواسه لا بما توصل إليه عن طريق الاستنتاج ويجب ألا يقوم بالشاهد مانع من موانعها من شأنه أن يدع للميل بشهادته إلى أحد الخصمين من سبيل، وكان التحقيق الذى يصح اتخاذه سنداَ أساسياَ للحكم هو الذى تقوم به المحكمة ذاتها أو بمعرفة قاض يندب لذلك ويجرى وفقا للأحكام التي رسمها القانون لشهادة الشهود في المادة 68 وما بعدها من قانون الإثبات أما ما يجرى سماعه من شهود بمحضر الشرطة فلا يعد تحقيقاَ بالمعنى المقصود، إذ هو مجرد قرينة قضائية لا تصلح أن يبنى حكم عليها وحدها.
النقض تقرر: الأصل في الشهادة هو إخبار الشاهد بما ادركه بحواسه لا بما توصل إليه بالاستنتاج
ووفقا لـ"المحكمة": مؤدى نص المادة 178 من القانون المدني أن المسئولية المقررة بهذه المادة تقوم على أساس خطأ مفترض من حارس الشيء افتراضاَ لا يقبل العكس، وقد أنشأ المشرع بذلك النص التزاماَ على عاتق من يتولى حراسة الألات الميكانيكية أو أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة ألا يحدث الشئ الذى في حراسته ضرراَ بالغير وهذا الالتزام هو التزام بتحقيق غاية، فإذا وقع ضرر فإنه يكفى المضرور إثبات حدوثه بفعل الشئ لتقوم قرينة قاطعة لا سبيل لدحضها على خطأ الحارس وإخلاله بالالتزام الذى فرضه القانون بما تتحقق معه مسؤليته عن ذلك الضرر ولا ترتفع هذه المسئولية عن حارس الشئ إلا إذا أقام الدليل على أن الضرر الذى حاق بالمضرور نشأ عن سبب أجنبى لا يد له فيه.
لما كان ذلك – وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دعوى الطاعنين على خطأ مورثهم لعبوره مجاز السكة الحديدية أثناء غلقه مستمداَ ذلك من أقوال حارس المجاز محل الحادث بمحضر الشرطة وأخر عدل عن شهادته والتي لا تعدو أن تكون قرينة لا تكفى وحدها لحمل قضاء الحكم وعماداَ له لا سيما وأن الحارس تابع للسكة الحديدية وباعتباره تابعاَ لها فإنه يميل بطبيعة الحال إليها، فإنه قد يكون معيباَ بالقصور في التسبيب، وإذ نفى الحكم مسئولية الهيئة المطعون ضدها وهى مسئولية مفترضة لوقوع الحادث بفعل القطار حراستها لا ترفع إلا بثبوت السبب الأجنبي وعلى قرينة لا تحمله، فإنه يكون معيبا بالخطأ في تطبيق القانون، بما يوجب نقضه والإحالة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة