ارحموا الآباء من غدر الزمان
كثرة دعاوى الْحَجْرِ المرفوعة من الأبناء ضد الْآبَاءِ والأمهات تشير إلى قضية مجتمعية ودينية خطيرة، والْحَجْرِ هو المنع، أي منع شخص مخصوص من تصرفه القولي ويسمى هذا الشخص بالمحجور عليه بعد الْحَجْرِ علي أمواله وتصرفاته، فالْحَجْرِ يترتب عليه منع الإنسان من التصرف القولي وعدم ترتيب الأثار عليه.
والحجر سببه عقوق وطمع ونكاية تارة وأحيانا بسبب الظلم بسبب الميراث أو السفه والزهايمر تارة أخرى. وفي كلا الحالتين فإن الظاهرة دليل على غياب مفهوم الرحمة الإنسانية التي كانت سمة أساسية وميزة في المجتمعات الشرقية لطابعها العربي والإسلامي من جهة، وتقاليدها الشرقية الراسخة منذ عصور الحضارات القديمة وقدسية الأسرة. تميزها عن بعض المجتمعات الغربية المعروف عنها التفكك الأسري، والاستقلالية الكاملة للأبناء عن عائلاتهم.
الرحمة المفقودة في زماننا وعصرنا نبه إليها فلاسفة وحكماء الحضارات القديمة، محذرين من غضب الرب على الأبناء، بسبب عقوق الآباء والأمهات.
ومن بين تلك الحكم والوصايا القديمة التي تدعو للرفق بالآباء والرحمة بهم والبر والعطف عليهم، تعاليم الحكيم بِتاَحْ حُتِبْ وزير الفرعون جد كارع (الشهير بـ إيزيسي) أحد ملوك الأسرة الخامسة (2414-2375 ق.م). فقد نصح ابنه قائلا: "أوصيك بأمك التي حملتك، هي أرسلتك إلى المدرسة كي تتعلم الكتب، وهي تشغل نفسها بك طول النهار، وهي التي تعطيك الطعام والشراب من البيت، والآن وقد كبرت وتزوجت وأصبحت سيد بيتك، التفت إلى تلك التي ولدتك وزودتك بكل شيء، إنّها أمك، لا تدع لها فرصة للغضب عليك، لا تدعها ترفع يدها غاضبة بسببك لأن الرب سيسمع لها بلا شك".
وقد جعل الإسلام حق الوالدين عظيما، فقال تعالى في القرآن الكريم: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً" (الإسراء: 23/24).
وأوصى ببر الوالدين المخالفين في الدين "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"، وجعل العُقوقُ بالآباء من أكبر الكبائر.. سواء قولا أو فعلا أو مجرد تأنيب وإشارة، لأن العُقوقُ بمن كانوا الخلية الأولى والسبب في وجودك، سيدفعك للعُقوقُ واحتقار جميل الموجد الأعلى وصاحب النعمة والفضل الأول في وجودهما ووجودك وهو الله عز وجل. وقد ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ يقولها ثلاثًا: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين فجعله مع الشرك، الإشراك بالله وعقوق الوالدين، ثم قال: وكان متكئًا فجلس، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور ".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة