لا يستطيع أحد إنكار أن فيلم «بنات عبدالرحمن» شكل حالة من البهجة ضمن برنامج مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الـ43، فالعمل ورغم أنه يناقش العديد من القضايا التى تؤثر على حياة المرأة العربية، إلا أنه حافظ على شعرة من الكوميديا لطفت من أجواء الفيلم المشحونة التى تربط بين 4 أخوات كل منهن لها حدوتة لا تقل ثقلا عن مثيلتها، فبقدر ما أضحك الجمهور، بقدر ما أبكاهم وعصر قلوبهم. وحقيقة جاء المخرج زيد أبوحمدان لمصر حاملا فيلم غاية فى الأهمية قدمه بطزاجة فكره وشغف صناع الأفلام الأولى، متفاديا الكثير من الأخطاء التى يقع فيها مخرجو الأعمال الأولى أو الثانية.
زيد أبوحمدان والذى كتب الفيلم أيضا استطاع بخفة أن يبنى شخصياته الأربع بحرفية شديدة، متحكما فى إيقاع كل واحدة منهن بشكل مثير للدهشة، ربطهن ببعض فى أحداث تتصاعد تارة وتخفت تارة أخرى، تشابكت الشخصيات ببعضها بتماس بين الخطوط الدرامية لكل منهن دون أن تأخذ واحدة من مساحة الأخرى، فلكل منهن قصة هى بطلتها.
والمميز فى الأمر هو قدرة زيد أبوحمدان على إدارة بطلات الفيلم الأربع، حيث استطاع إخراج أفضل أداء تمثيلى لديهن، راصدا درجة كبيرة من النضج الفنى فى شخصية كل منهن راسما ملامح كل شخصية وكأنها خلقت لتكون على الشاشة بهذا الشكل.
صبا مبارك «آمال» والتى جاء اسمها متناسقا مع طبيعة شخصيتها، فهى التى طرحت الأمل فى غد مختلف بتمردها على واقع عاشت فيه مقهورة خاضعة لزوج مستبد، مرغمة على كل تصرف دون حرية للاختيار، فهى واحدة من أربع بنات للأب عبدالرحمن المصاب بألزهايمر، والذى زوجها لرجل متشدد دينيا وهى فى سن صغيرة، لتجبر على ارتداء النقاب وتعيش حياة ليست كالحياة، إلى أن تنفجر داخلها شحنات الغضب عندما تجد أن ابنتها ستلقى نفس مصيرها وتعيش ما عاشته الأم، قدمت صبا مبارك فى الفيلم مستوى راقيا جدا من الأداء التمثيلى، شهد نضجا على كثير من المستويات، بتصاعد وتيرة انفعالاتها لردود أفعالها ما بين الخوف والاستكانة إلى التمرد والمقاومة والإلهام أيضا لباقى الشخصيات بالفيلم.
فرح بسيسو «زينب» الأخت الكبرى، التى تجد نفسها تضحى بكل شىء وأى شىء لتحافظ على والدها الذى أصابه ألزهايمر وأنهكته الهموم، وأنهكها هو بتعنته وعنده، هى تعيش بلا زواج وحيدة مع أب طيب القلب، لكنه مزعج فى كثير من التفاصيل فتتحول حياتها لجحيم، مستسلمة لكثير من الضغوط التى يمارسها المجتمع فى الأردن بحى الأشرفية خاصة، وهى الابنة التى أحبت رجلا لا يتشارك معها فى نفس الدين.
حنان الحلو «سماح»، تلك الفتاة الجميلة المثيرة التى تزوجت من رجل غنى ينقذها من واقع تعيش فيه، لتجد نفسها غارقة فى الوحل، لدرجة أنه كان وقع خيانته لها على أذنيها مع ألف امرأة أفضل كثيرا من حقيقة خيانته لها مع رجل آخر، لتتأكد لها تلك الشكوك التى خاضت الكثير من المعارك النفسية لتبقيها مجرد شكوك لا يقين، لكن بالنهاية تتكشف الحقيقة.
مريم باشا «ختام» وهى الابنة الصغرى ومفتاح الأحداث فى البنت التى أحبت وسافرت لتكون مع حبيبها، لتضع رأس أسرتها فى الوحل وعين والدها فى الأرض.
كل قصة من قصص البنات الأربع تصلح لفيلم روائى طويل، لكن زيد أبوحمدان فضل أن يكون العمل مكثفا ويضم الكثير من القضايا، البعض يظن أن مناقشة كل تلك القضايا أصاب الفيلم بحشو ونقاش وجمل حوارية كثيرة وحكى، لكن زيد ومونتير الفيلم لم يتركا العمل فريسة لشهوة الحكى التى قد تصل للتطويل، لكنه برشاقة كان يعرف متى يقف الحديث عند حد معين، ومتى تقول نظرة الكثير، ومتى تعبر صفعة عن مشوار طويل من القهر.
ربما يعتقد البعض من المدافعين عن قضايا المرأة ومحبى الأفلام النسوية، أن الرجل هو العدو الأول للمرأة، لكن الحقيقة ما يرصدها الفيلم هو أن المرأة قد تكون فى كثير من الأحيان هى العدو الأول، ففى فيلم «بنات عبدالرحمن» كان أول من قهر البنات، ودفعهن للاستسلام والخنوغ، هى الأم، بقسوتها واستسهال التربية وحصرها فى صفعة على وجه الفتاة لتقومها، لتكون النتيجة عكس تماما ما أرادت، فبدل من تقويم الابنة، جعلت منها فريسة يسهل السيطرة عليها وقهرها ومحو شخصيتها واستعبادها، وربما كانت أيضا المرأة العدو الأساسى فى كثير من المواقف، هى الجارة التى تستحل سيرة بنات عبدالرحمن لتخوض فيها، والعمة التى لا تبالى، وآخريات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة