على مدار عقود طويلة، لم تسلم الرياضة وفعالياتها الكبرى من ضغوط السياسة وصراعاتها، فلم تكن المقاطعة الدبلوماسية التى تتبناها دولا غربية واحدة تلو الأخرى لـ أولمبياد بكين الشتوية العام المقبل هى الأولى، ولن تكون الأخيرة.
فقد أعلنت الولايات المتحدة، وتبعتها بريطانيا واستراليا، مقاطعة دورة الألعاب التى تستضيفها الصين فى فبراير المقبل، كنوع من الاحتجاج على بعض السياسات التى تتبناها الحكومة الصينية. لكن السؤال هو: هل تنجح مثل هذه الضغوط والمقاطعات لأسباب سياسية فى تحقيق أهدافها؟.. وهل تراجعت دول من قبل عن سياسات أو مخططات بسبب التهديد بمقاطعة حدث رياضى تنظمه.
الإجابة على هذا السؤال تستدعى نظرة للوراء، لعقود، إن لم يكن قرونا، استخدمت فيها الرياضة كأداة ضغط سياسى.
قالت مجلة إيكونوميست البريطانية فى تقرير لها هذا الأسبوع إن المقاطعات الرياضية قديمة قدم الرياضة نفسها. ففى عام 332 قبل الميلاد، هددت مدينة أثينا بالانسحاب من الأولمبياد القديمة بسب مزاعم ترتيب أحد المباريات ضد أحد رياضيها. وفى العصور الحديثة، كانت المقاطعات مرتبطة بالسياسة، لكنها نادرا ما حققت هدفها بحسب الصحيفة البريطانية.
وقبل أولمبياد برلين عام 1936، بحثت العديد من الدول الانسحاب بدلا من أن تكون ضيوفا على نظام ألمانيا النازية، لكن فى النهاية شاركت 49 دولة فيها، وكان هذا أكبر مشاركة فى أى أولمبياد حتى هذا الوقت.
ومؤخرا فى عام 2018، هددت بريطانيا وألمانيا بمقاطعة كأس العالم فى روسيا عام 2018، لكن هذا لم يحدث فى نهاية الأمر.
ووفقا للإيكونوميست، فإن حتى المقاطعات المتكررة والأكثر جذبا للانتباه لم يكن لها تأثير كبير، وكان هذا واضحا أثناء الحرب الباردة. ففى عام 1980 قررت الولايات المتحدة و66 دولة عدم المشاركة فى أولمبياد موسكو احتجاجا على الغزو السوفيتى لأفغانستان. ورد الاتحاد السوفيتى ودول الكتلة الشرقية فى هذا الوقت بمقاطعة دورة الألعاب الصيفية بعد أربع سنوات والتى أقيمت فى مدينة لوس أنجلوس. ولم يغير أى من القرارين دينامكيات الحرب الباردة، وكان تأثيرهما مجرد حرمان عشرات من الرياضيين من المجد الرياضى. كما أن هناك بعض اللاعبين الذين ذهبوا إلى موسكو رغم مقاطعة دولهم الرسمية.
وهناك مرات قليلة نجحت فيها مثل هذه المقاطعات، كان أبرزها من حركة مناهضة الأبرتايد فى جنوب أفريقيا. فعلى مدار أكثر من ثلاثة عقود، ظلت جنوب أفريقيا، تحت حكم البيض، منبوذة رياضية وحرمت من المشاركة فى كل الألعاب الأولمبية بين عامى 1964 و1992، وكان هذا إلى حد كبير بسبب ضغوط من دول أخرى وليس بمبادرة من اللجنة الأولمبية الدولية. وكان أبرزها مقاطعة الدول الأفريقية لأولمبياد مونتريال عام 1976، احتجاجا على مشاركة نيوزيلندا بعدما قام فريقها للرجبى بجولة فى جنوب أفريقيا فى عصر الفصل العنصرى.
ربما يختلف موقف المقاطعة الدبلوماسية لأولمبياد بكين الشتوية 2022 قليلا فى كونه مقاطعة دبلوماسية، بمعنى أن لاعبى الدول المقاطعة لن يتأثروا، وسيقتصر الأمر على عدم مشاركة وفود رسمية.
وأوضحت وكالة أسوشيتدبرس إن كبار المشرعين الأمريكيين والمسئولين الدبلوماسيين سيغيبون عن حفل افتتاح الأولمبياد الشتوية المقرر فى الرابع من فبراير. وتشير إلى رغم عدم وجود التزام دبلوماسى على رؤساء الدول بحضور دورة الألعاب، إلا أن حضور الألعاب الشتوية دائما ما يكون أكثر جدلا مقارنة بالنسخة الصيفية.
وذكّرت الوكالة بأن الرئيس الأمريكى الأسبق جورج دبليو بوش ذهب إلى بكين فى افتتاح أولمبياد 2008 الصيفية، التى كانت يفترض أن تكون بداية لعلاقات أقل توترا.
كما أن الذهاب إلى الأولمبياد يمكن أن يخلق مأزق دبلوماسى، بحسب أسوشيتدبرس، كذلك الذى واجهه نائب الرئيس الأمريكى السابق مايك بنس عندما وجد نفسه يجلس بالقرب من وفد كوريا الشمالية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة