بيشوى رمزى

قضية "الهوية".. دبلوماسية تحويل الصراع إلى تكامل

الإثنين، 13 ديسمبر 2021 07:22 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قضية "الهوية" ربما كانت أكثر المسائل الجدلية، في السنوات الماضية في منطقة الشرق الأوسط، حتى وصلت إلى ذروتها في مرحلة ما بعد "الربيع العربى"، بين دعوات عدة، استهدف بعضها روابط اللغة، لصالح الدين تارة، عبر محاولات الفصل بين الدين واللغة، أو لأبعاد جغرافية تارة أخرى، من خلال تحقيق قدر من التعارض في المصالح بين أبناء المنطقة العربية على أساس جغرافى، وهو المخطط الذى كان يحمل في طياته هدفا أكبر لا يقتصر على مجرد إثارة الصراع داخل الدول العربية، بهدف تفتيتها فقط، وإنما تحويله إلى صراع دولى، بين دول المنطقة، في إطار تنافسى، لا يقتصر على الصراع الأصلى بين الدول العربية، وغيرها من القوى الإقليمية الأخرى، وإنما تحويله إلى صراع عربى عربى، يهدف في الأساس إلى تآكل الدور العربى، لصالح القوى الأخرى الساعية لتقديم نفسها في موقع القيادة الإقليمية.
المخطط ربما نجح مرحليا، مع حالة الانقسام متعدد الأبعاد، إبان سنوات "الربيع العربى"، بين انقسام داخلى في الدول العربية، من جانب، في الوقت الذى شهدت فيه العلاقات البينية العربية شروخا واضحا ليس فقط بسبب اختلاف مواقفها تجاه العديد من القضايا الإقليمية البارزة والتي وصلت إلى حد التعارض الصريح، وإنما أيضا بسبب المخاوف الأمنية التى ارتبطت فى جزء كبير منها بتوغل جماعات الإرهاب، واستهدافها لأمن دول المنطقة، مما دفعها إلى التركيز على تعزيز الجانب الأمني لديها، إلى حد الانكفاء على الداخل، وهو ما ساهم في خلق حالة من التباعد من جانب أخر، وهو ما دفع المنافسون الإقليميون نحو إذابة الهوية العربية في هويات أخرى، يرتبط بعضها بالدين، باعتباره العامل الأكثر تأثيرا في الشعوب، بينما ارتبط البعض الأخر بالبعد الجغرافى، إثر المخاوف الأمنية التي ارتبطت بمناطق بعينها، لتخلق روابط فرعية بين كل مجموعة من الدول تربطها مصالح مشتركة، على حساب المجموع العربى.
إلا أن الأمور ربما شهدت اختلافا كبيرا، في مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو، والتي كانت بمثابة الصورة المعاكسة لـ"الربيع العربى"، ليس فقط من حيث الأوضاع في الداخل المصرى، وإنما امتدت تداعياتها إلى المنطقة بأسرها، عبر "لم الشمل العربي" مجددا، وهو ما تجلى فى التأكيد على استعداد مصر الدائم للدفاع عن أمن الدول العربية، لتكون انطلاقا ليس فقط لاستعادة الزخم لـ"الهوية" العربية، وإنما أيضا عبر إعادة رسم خريطة الإقليم، خلال العديد من المشاهد التي سطرها عام 2021، ربما أبرزها مؤتمر بغداد للتكامل والشراكة، والذى انعقد في أغسطس الماضى، ليقدم سابقة مهمة في تاريخ العلاقات الإقليمية، عبر اجتماع القوى المتنافسة على "مائدة الحوار، في إطار ما سبق وأن أسميته في مقال سابق "دبلوماسية بناء التعاون"، عبر تعظيم المصالح المشتركة، على حساب المنافسة الضيقة، من البوابة العراقية، خاصة مع تنامى الإحساس بالخطر المشترك نتيجة الانسحاب الأمريكي المرتقب، وما قد يستتبعه ذلك من عودة شبح الإرهاب مجددا ليهدد دول الجوار العراقى.
ولعل التحركات المصرية لتعزيز الهوية العربية قد سبقت هذا المؤتمر، عبر إرساء التحالف الثلاثى مع كلا من العراق والأردن، لتكون خطوة تمهيدية لتعزيز التعاون العربى، في لحظة تبدو حساسة في تاريخ المنطقة، بينما استمر العمل الجاد في هذا الإطار عبر تعزيز التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجى، وهو ما يتجلى في تدشين آلية التشاور السياسى بين مصر ودول الخليج، خلال الزيارة التي يقوم بها حاليا، وزير الخارجية سامح شكرى إلى المملكة العربية السعودية، وذلك للتنسيق مع دول المجلس في التعامل مع القضايا والتحديات الراهنة، في انعكاس صريح للتحرك المصرى القائم على تفتيت كافة المعوقات التي هدفت لتقويض الهوية العربية.
التحرك المصرى لتعزيز الهوية تزامنت معه تحركات أخرى، من قبل جامعة الدول العربية، بهدف تحويل مخطط خلق صراع إقليمى، على أساس الهوية، إلى ما يمكننا تسميته بـ"تكامل الهوية"، ليس فقط من خلال المشاركة الفعالة في الفعاليات الدولية الهادفة إلى "بناء التعاون" الإقليمى، وإنما عبر التقارب مع العديد من المنظمات الأخرى المتقاطعة معها جغرافيا، وهو ما يبدو في التقارب الكبير الذى شهدته العلاقة مع مجلس التعاون الخليجى، عبر توقيع مذكرة تفاهم، هي الأولى من نوعها منذ ما يقرب من 3 عقود، وكذلك الحرص الكبير من قبل "بيت العرب" على توطيد العلاقة مع منظمات أخرى، وعلى رأسها منظمة التعاون الإسلامي، ناهيك عن التنسيق الدائم مع الاتحاد الإفريقى، وغيرهم، وهو ما يعكس حالة من الانسجام في التحركات العربية سواء على المستوى الفردى، عبر الدول، وفى مقدمتها مصر، أو الجمعى، عبر الكبان العربى المشترك.
وهنا يمكننا القول بأن تحويل "الصراع" إلى تكامل، أصبح بمثابة أحد السمات الرئيسية للدبلوماسية المصرية والعربية على حد سواء، في الآونة الأخيرة، عبر تعزيز التعاون، على حساب التنافس، بين القوى الإقليمية، سواء كانت دولا أو منظمات، وهو ما يهدف في الأساس إلى تخفيف حدة الصراعات.
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة