الضربة التى وجهتها أجهزة الأمن فى قضية التسريبات المفبركة، كاشفة عن حجم الحرب التى تخوضها تنظيمات الإرهاب، وتعكس أيضا جهدا كبيرا لأجهزة المعلومات بالدولة فى التعامل مع نوعية من الجرائم تقوم على الفبركة والشائعات، وصناعة حالة من التشكيك فى جهود الدولة للبناء، من خلال تسجيلات مفبركة تستخدم صفات وعناصر بالرغم من سذاجتها، يوظفها البعض فى تحليلات وصياغات لا علاقة لها بالواقع.
وبناء عليه، فإن كشف حقيقة التسريب المفبرك، والقبض على مسجلين خطر انتحلوا صفة شخصيات فى الدولة، ومن وظفوا التسجيلات المفبركة لبيعها إلى فرق الشائعات، خطوة مهمة فى الفصل بين ما تبذله الدولة فعليا فى مكافحة الفساد، وبين الشائعات والمواد المفبركة، التى تهدف إلى صناعة نوع من الشك على غير الواقع، لأن مثل هذه التسجيلات المفبركة، ومثلها الكثير من الشائعات تتحول إلى نوع من النميمة، تتجاوز جدية مكافحة الفساد إلى مزيد من التشكيك.
وبالطبع، فإن كشف مثل هذه الجرائم مهم، لأنه يقطع الطريق على بعض من اعتادوا التعامل بناء على سماع الأقوال المرسلة، التى لا تهدف إلى مواجهة فعلية للفساد، وإنما زرع حالة من الشك، والدليل أن نفس هذه المنصات استمرت على مدى سنوات فى الكذب والفبركة، ونشر الأرقام والتوقعات الساذجة، ثم البناء عليها فى تحليلات تفتقد الجدية أو المنطق، وخلال السنوات الأخيرة، سقط عدد من الفاسدين فى أماكن مختلفة بالصوت والصورة، مع تأكيد دائم على أن لا أحد فوق القانون أو المحاسبة، فضلا عن جهود أجهزة الرقابة فى كل مكان، مع قطع خطوات تكنولوجية تقلل من دور العنصر البشرى، وتنفى وجود مثل هذه المكالمات المفبركة، بعيدا عن سذاجتها وعدم منطقيتها.
القضية التى تم كشف أفرادها والقبض عليهم، مثال على نوعية الجرائم المرتبطة بالتقنية أو التلاعب، ومثلما حاولت منصات الكذب إنتاج أفلام وفيديوهات تمثيلية عن ضحايا وهميين، فإن الأمر يصل الآن إلى التحالف مع محترفين ومسجلين خطر لفبركة تسجيلات وترويجها على أنها حقيقية، والجديد هو أن الجرأة صورت للمفبركين أنهم يمكن أن يحققوا مكاسب من بيع هذه التسجيلات المفبركة، مع الرهان على رغبة واستعداد الإخوان لشراء أى منتجات مضروبة، لاستعمالها فى تعويض خسائر وفضائح هذه المنصات على مدى سنوات.
ومن مميزات الكشف عن هذه القضية، أنها تغلق الباب أمام الكثير من الشائعات، التى أنفقت منصات الكذب كثيرا لتسويقها بين ضعفاء العقل والمنطق، يضاف إلى ذلك ميزة مزدوجة تقطع الطريق على كثير من المدعين والنصابين ممن يروجون لعلاقاتهم ونفوذهم، بينما هم مجرد نصابين، أمثال المتهمين الذين سقطوا فى أيدى جهات الأمن والمعلومات.
وربما تكون مصادفة، أن سقوط المتهمين بالفبركة حول الفساد، جاء أثناء مشاركة مصر فى مؤتمر الدول الأطراف باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والمقام فى مصر، وتحدث فيه الوزير حسن عبدالشافى، رئيس هيئة الرقابة الإدارية، ورئيس الدورة التاسعة، وتأكيد رئيس الوزراء أن مصر وضعت مكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة وإرساء قيم النزاهة والشفافية ضمن مبادئها الأساسية، باعتبار الفساد مؤثرا سلبيا، وتحسين جودة الحياة يقلل من انتشاره.
وهذا الأمر كاشف عن التفرقة بين مواجهة جادة وحاسمة للفساد، وتبادل الخبرات فى مواجهته، وبين فبركة لا تهدف لمواجهة الفساد، لكن هدفها التشكيك فى النفس وإفقاد الثقة.
من هنا تأتى أهمية كشف تنظيمات الفبركة، والتفرقة بين مواجهة جادة للفساد وبين مثل هذه الفبركة، التى تطلقها منصات الكذب والإرهاب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة