دينا شرف الدين

أين تكمن السعادة؟

الجمعة، 17 ديسمبر 2021 09:17 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ليس للسعادة كتالوج خاص وأسباب محددة إن تحققت سعد الإنسان، لكنها نسبية روحية وليست مادية ملموسة.

فقد عرف "أرسطو" السّعادة بأنها (اللذة، -أو على الأقل أنها تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً باللذة- واللذة بدورها يتمّ تفسيرها باعتبارها غياباً واعياً للألم والإزعاج).

أمّا الإمام" الغزاليّ" فيقول: (إنّ اللذة والسعادة عند بني آدم هي معرفة الله عز وجل)، ويُتبع ذلك بقوله: (اعلم أنّ سعادة كل شيء ولذته وراحته تكون بمقتضى طبعه، كل شيء خلق له، فلذة العين الصور الحسنة، ولذة الأذن في الأصوات الطيبة، وكذلك سائر الجوارح بهذه الصفة، ولذة القلب خاصة بمعرفة الله سبحانه وتعالى؛ لأنّ القلب مخلوق لها).

كما يَعدُّ الفلاسفة المسلمون أمثال "ابن رشد والفارابى "السّعادة الحقيقية فى إشباع لذّة العقل والذّهن بالمعارف والعلوم.

لذا:

فأسباب السعادة بشكل عام نسبية تتفاوت من شخص لآخر، ومن نفسٍ لأخري،

لكنها تشترك في شىء واحد مهم إن تحقق للإنسان يصبح من السعداء بغض النظر عن مستواه المادي أو العلمي أو المهني أو حتي الزوجي والأسرى، وهو الرضا عن نفسه والتصالح معها فيما يفعل أياً كان ما يفعله، والرضا هو السبيل الوحيد لاطمئنان النفس، وإن اطمأنت النفس فقد تحقق لها وعد الله سبحانه وتعالي برضاه عنها وإرضائها يوم الميعاد.

فحين تطمئن النفس الراضية المتصالحة ستبلغ درجات العلا من السعادة التي لا يبلغها بشر ولو اجتمعت لديه كل مسببات السعادة المادية الملموسة حتي وإن امتلكت كنوز الأرض كافة، لذا فمنتهي السعادة هي الجنة .

إنّ بذور السّعادة وأساسها يكمنُ في دواخل البشر جميعاً، إلّا أنهم دائمُو البحثِ عنها خارج أرواحهم وأنفسهم، ممّا يستنزف طاقاتهم من عملٍ وعائلةٍ وأموال وطعام، ليستشعروها لفترةٍ صَغيرةٍ وخاطفة، ويسعون بعدها في دوّامة للحصول عليها مرّة أخرى، فربما تتحقق السعادة لربة منزل بسيطة الطموح والتطلعات لمجرد براعتها في طهي الطعام وتميزها، ويا حبذا لو كانت هناك محفزات أخري من المحيطين كالإشادة بما تقدمه والتشجيع المستمر وخاصة من الزوج والأبناء، وبمثل هذه التطلعات البسيطة حال إن تحققت شعرت هذه المرأة أنها أسعد السعداء كما لو كانت تمتلك الدنيا بما فيها .

 

في حين:

 أن هناك من يمتلك كل سبل الرفاهية علي كل المستويات وأسباب السعادة علي كافة الأصعدة العملية والعائلية تلك التي يحسده عليها من يرونها، والتي في مجملها أسباب ظاهرية مادية قد يحمل ن يقتنيها مفارقة هامة من مفارقات الحياة والتي تتلخص في كونه غير سعيد !

ولكن :

كيف يشعر بالتعاسة هذا الذي يملك من وجهة نظر الآخرين كافة مسببات السعادة والرفاهية؟

نعم:

قد يمتلك شخص كل شىء، دون الرضا والتحقق والسلام النفسي الذي لا ينعم به إلا من تصالح مع نفسه واكتفي بما لديه وما تحقق له وإن كان أقل القليل .

كما أن هناك معادلة شديدة الصعوبة قد لا تقو علي تحقيقها أسر كثيرة، وهي الاستغراق التام لرب وربة هذه الأسرة بالعمل الشاق بحثاً عن توفير حياة مادية رغدة للأبناء، ورغبة في جمع الأموال التي تعد ضمانة من وجهة نظر الأبوين لهؤلاء الأبناء.

وبناء عليه:

سرعان ما تمر السنوات وينقضي العمر وتذهب فرص التمتع بحياة أسرية متحابة مترابطة إلي غير رجعة، ويفاجأ هذا الأب أو هذه الأم أنهما قد أضاعا ما هو أثمن بكثير من العمل غير المنقطع والذي لا يترك متسعاً من الوقت لممارسة الاستمتاع بدفء العلاقات الأسرية والتي لا تعد المادة ولا حتي الترقي بالعمل عوضاً عنه بأي شكل من الأشكال .

فما الذي يعوض هؤلاء عن أجمل سنوات العمر وتحديداً مرحلة الشباب واكتمال الطاقة التي تعد فرصة ذهبية للاستمتاع بلذة الحياة، والتي لا يستغلها الكثيرون ظناً منهم أن السعي والعمل الشاق قد يوفر لهم ولأسرهم أسباب الراحة والسعادة، ثم يجد المرء بحسابات الزمن التي تسرق الجميع نفسه قد حقق ما يرجو من المال والسلطة بمرحلة عمرية يغلفها الإحساس بالزهد وفقدان الرغبة بالمتعة نظراً لكبر السن وفقدان الطاقة والحيوية والشغف .

فليس بالضرورة أن يسعد أصحاب القصور والسيارات الفارهة والحفلات الصاخبة والمشاهير، فما أكثر المكتئبين والمنتحرين منهم، وليس بالضرورة أيضاً أن يكون من لا يملك أكثر من قوت يومه تعيساً ناقماً كارهاً للحياة ، فما أكثر السعداء منهم الذين رضوا بما لديم و ما قسمه الله لهم فرضي عنهم و أرضاهم و منحهم نفوساً غنية تنعم بسعادة الرضا و الشكر و الامتنان لما يظنه ذوي النظرة القاصرة أقل القليل.

نهاية :

هل يعيد الإنسان حساباته من قبل أن يأتي يوم لا مفر منه، ليعتنق نظرية أخري بالحياة تعتمد توزيع الجهد و ترتيب الأولويات وتحقيق التوازن بين الاستمتاع بالحياة بجانب العمل لتأمين هذه الحياة في محاولة للتحقق بكليهما وبهذا تكون السعادة في أبهي صورها.

أسعدكم الله وإيانا بالدنيا والآخرة







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة