"إصلاح أخطاء الماضي".. شعار رفعته "الجمهورية الجديدة"، منذ إرهاصاتها الأولى، عندما خرج الملايين إلى الشوارع، في ٣٠ يونيو، وما سبقها من أحداث، لإعادة الأمور إلى نصابها، بعد أكثر من عامين من الفوضى، التي أكلت الأخضر واليابس، ليطلق عليها قطاع كبير من المتابعين "ثورة التصحيح"، بعدما قفز حفنة من الإرهابيين على السلطة، مستغلين طموحات المصريين في تغيير حقيقي من شأنه تحقيق "حياة كريمة"، بعد عقود طويلة من الإهمال وإضاعة الفرص لتحقيق التنمية، لتدشن هتافات الجماهير حقبة جديدة، جعلت من الإصلاح دستورا لها، وهو ما يبدو في الكثير من المشاهد الهامة التي هيمنت على الساحة المصرية منذ ذلك التاريخ.
ولعل الدعوة إلى الإصلاح، التي أطلقها المصريون في ٣٠ يونيو، لم تقتصر في جوهرها، على مجرد الإطاحة بنظام سياسي، استخدم الإرهاب كوسيلة لردع معارضيه، وإنما امتد إلى ما هو أبعد من ذلك، فلم ينسى المصريون طموحاتهم، في تلك الحياة التي يتوقون إليها، وخرجوا من أجلها في ٢٠١١، ولكن الرؤية كانت أكثر اتساعا، فقامت على فكرة التغيير الحقيقي، بحيث لا يقتصر على وجوه الحكام، وإنما تغييرا شاملا، وهو ما تجلى في الدعم الشعبي الكبير لكل الخطوات التي اتخذتها الدولة المصرية، في إطار "الجمهورية الجديدة"، بدء من قرارات الإصلاح الاقتصادي، والتي وإن بدت قاسية، فإنها تبقى ضرورة ملحة لإنقاذ الاقتصاد المصري، والذي كان يطارده شبح الإفلاس، ليس فقط بسبب حقبة "الفوضى"، وإنما أيضا نتيجة سياسات خاطئة دامت لعقود، تقوم على تقديم السلع والخدمات الأساسية بأسعار "شبه مجانية"، مقابل الحفاظ على السلطة، هو ما أرهق ميزانية الدولة وأعاقها عن استكشاف الفرص التي من شأنها تحقيق التنمية، وبالتالي تجريف مصادرها.
فلو نظرنا إلى الفرص التي اكتشفتها "الجمهورية الجديدة"، على غرار حقول الغاز أو المشروعات التنموية الأخرى، وأقربها مشروع "توشكى الخير"، نجد أنها ليست جديدة تماما، فقد كانت مطروحة على مائدة السلطة قبل سنوات، إلا أن نجاحها كان مكلفا لم يكن ممكنا الوفاء بها، في ظل وضع اقتصادى مترنح، لم يتكيف مع التغييرات العميقة التي شهدها الاقتصاد العالمي، مع طغيان النظام الرأسمالي، على المشهد الدولي، إلى الحد الذي دفع أعتى الدول ذات التوجهات الاشتراكية إلى التخلي عن ثوابتها، لمواكبة المعطيات الجديدة، وبالتالي تحقيق التنمية.
الإصلاح الذي أرسته "دولة ٣٠ يونيو"، لم يكن مجرد إصلاح سياسي، عبر الإطاحة بنظام "خائن"، بنظام أخر، يؤمن بالهوية الوطنية، وإنما إصلاح شامل، لأخطاء تراكمت لعقود، سواء عبر استكشاف الفرص الجديدة، أو اقتحام المناطق الجديدة، التي شهدت إهمالا صارخا، على غرار سيناء، والتي تحولت إلى مطمع لجماعات الظلام، حيث كان غياب التنمية عنها مدخلا لاستقطاب العديد من أبنائها عبر الترويج لافكارهم المتطرفة، وبالتالي كان التحرك المصري، يقوم على أبعاد ثلاثة، أحدهما تنموي، يقوم على دمج تلك الرقعة الغالية من أرض الوطن في خطط التنمية، بينما كان البعد الثاني يعتمد على الجانب الفكري، عبر دحض الافكار المغلوطة التي روجتها جماعات الإرهاب، إلى جانب البعد الأمني، والذى كان يمثل المحور الرئيسي الذي تتبناه الدولة لمواجهة التهديدات، بعيدا عن تحقيق إصلاح حقيقي من شأنه القضاء عليها ومنعها من التكرار في المستقبل، وهو ما بدا في قرار إلغاء حالة الطوارئ، ليكون دليلا دامغا على عدم اعتماد النهج الامني كسبيل وحيد للتعامل مع التهديدات، ولكنه يبقى في إطار حزمة من الإصلاحات، والتي امتدت، بالمناسبة، إلى تطوير السجون لتكون هى الأخرى وسيلة لإصلاح قاطنيها أكثر منه وسيلة للعقاب أو الردع.
الأمر نفسه ينطبق على الاهتمام بالصعيد، والذى عانى حالة من التجريف، ساهمت في تقويض مقدراته، سواء التنموية، في ظل إهمال الأراضي الزراعية بل والبناء عليها، أو البشرية، جراء هجرة ملايين الشباب إلى القاهرة، أو بعض المدن السياحية الأخرى، بحثا عن فرصة عمل، تفقد الدولة مساحات شاسعة٠ من أراضيها يمكن الاستفادة منها لتحقيق معدلات أكبر من التنمية، لتكتفي بمشروعاتها في العاصمة وبعض المناطق المحيطة بها، لترتكز الكتلة السكانية الأكبر هناك، بينما تصبح تلك المناطق وما تمتلكه من إمكانات كبير مجرد مساحات مهجورة، لا تحمل فرصة أو أمل للأجيال القادمة.
وهنا يصبح نهج "الجمهورية الجديدة"، يقوم على "علاج" تراكمات من السياسات الخاطئة، التي اعتمدت ما يمكننا وصفه بالمسكنات المؤقتة، التى لا يمكنها تقويض الخطر، أو تقديم الحلول الجذرية لأزمات طويلة الأمد، نخرت في مفاصل الدولة لعقود طويلة، ليصبح "العلاج" الشامل لكافة الأزمات هو السبيل الوحيد إلى الانطلاق نحو مستقبل افضل.