لا نستطيع أن نتهم الحكومات السابقة سواء حكومة الدكتور كمال الجنزوري والدكتور أحمد نظيف بأنها فشلت في تسويق مشروع توشكي وجعله أحد أبرز المشروعات القومية العملاقة في مصر. واستعارت فكة الالتفاف حول المشروعات القومية من زمن الستينات، فزار كبار الكتاب والصحفيين والفناين والمفكرين والشخصيات العامة وأساتذة الجامعات أرض المشروع. وكتب المؤلفين ولحن الملحنين أغاني "توشكي" ورأينا اسم المشروع يحتل واجه المحلات في كل مكان.
ورأينا محلات عصير توشكي وملابس توشكي وسجائر توشكي أيضا وكله كان توشكي. واصطف الرأي العام في مصر حول المشروع وصدق الكتابات والتصريحات حول المشروع القومي الجديد الذي سيؤدي الى دلتا جديدة موازية لدلتا النيل القديمة ويزيد مساحة مصر من 5 الى 25% بما يؤدي الى تغيير في الخارطة الجغرافية والسكانية والاجتماعية لمصر.
مرت السنوات بعد تدشين المشروع في عام 96 لكن الاهتمام القومي للمشروع لم يجد له صدى على أرض الواقع واتهم مجلس النواب حكومة نظيف باهدار المال العام وإنفاق المليارات على المشروع دون عائد، فالمساحة المزروعة لم تتجاوز ٤ آلاف فدان من إجمالي ٥٤٠ ألف فدان، بتكلفة ٧ مليارات جنيه تم صرفها بمعدل مليون و٧٥٠ ألف جنيه للفدان الواحد، رغم تكذيب وزراء الحكومة في ذلك الوقت (الدكتور محمود أبو زيد والدكتور محمد نصر علام وزراء الرأي)
الجدل حول فشل المشروع وضياع المليارات ...وضياع الحلم بأكمله حسمه اندلاع أحداث 25 يناير 2011 فتوقف المشروع تماماً طوال 3 أعوام، بعد أن تم إهدار نحو 6 مليارات جنيه من المال العام عليه دون عائد طوال 14 عاما منذ تدشينه
تفاصيل الفشل كثيرة وكشف عنها في حينها أو بعد "ثورة يناير " بقليل تقرير خاص صدر من الجهاز المركزي للمحاسبات، باختصار فى العام 1998 تم تخصيص 100 ألف فدان للشركة التي يراسها يرأسها رجل الأعمال السعودي الوليد بن طلال بسعر الفدان الواحد حوالى 50 جنيه
وكل الآراء القانونية أكدت أن عملية البيع تمت بالمخالفة للقانون. وبالفعل وفى عام 2011 تحفظ النائب العام على أراض تابعة للوليد بن طلال واسترجعت الدولة الكثير من أراضي المستثمرين لأنها كان غير مزروعة بالمخالفة للاتفاق الذى ينص على زراعة الأراضي فى خلال فتره ٥ سنوات من بدء تدفق المياه الذى بدأ فى 2004 ورغم الضجة الكبرى حول المشروع لم يتم استزراع سوى 5% من الجمالي الأراضي أي حوالي 50 ألف فدان فقط.
التخبط والفشل الإداري وغياب التخطيط والتنسيق والتعاون بين كافة الجهات المعنية في الدولة هو ما أدى الى فشل المشروع طوال 20 عام رغم أن أهدافه تحقق الكثير لمصر، فالمشروع سيؤدي الى زيادة الرقعة الزراعية الخضراء بحوالي 540 ألف فدان، مخطط فى المستقبل ان تصل الى مليون فدان وخلق دلتا جديدة موازية للدلتا القديمة لمصر وزيادة الرقعة الخضراء الى 25 % وزراعة المحاصيل المختلفة والمحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والذرة بما يساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وزيادة التصدير الحد من العجز فى الميزان التجاري فى مصر وذلك من خلال زيادة الصادرات الزراعية للخارج وتخفيف الضغط على وادى ودلتا النيل بالعمل على إعمار وتنمية هذه المناطق والكثير من فرص العمل للشباب فى مصر و لصعيد مصر بالأخص وبالتالي إقامة مجتمعات تنموية وعمرانية جديدة.
أسباب عديدة دارت حولها في ذلك نقاشات موسعة بين أساتذة الجامعات والخبراء المتخصصين في الري واستصلاح الأراضي، وكثيرون أكدوا أن سبب فشل مشروع توشكي قديما، هو أنه يقع في منطقة نائية وبعيدة عن أسوان، وهذه المنطقة شديدة الحرارة. كما ان التربة هناك صخرية في مساحات كبيرة من الأراضي، إضافة الى عدم وجود ربط بين شبكات الطرق والسوق الخارجي
ولا يوجد مناطق سكنيه وقوى بشريه بشكل كامل فالمشروع في منطقة مفيض توشكي جنوب الصحراء الغربية موازي للنيل بالقرب من اسوان ومياه الابار غير متجدد والاعتماد على مياه النيل يشكل تكلفه عالية بسبب ماكينات رفع المياه ونسبه الفقد من المياه عالية ولا تناسب كل الزراعات يوجد فقط في توشكا العنب والبلح
الفشل السابق وحتى 5 سنوات ماضية شاهده المصريون نجاحا غير مسبوق ومعجزة تتحقق على الأرض واللون الأخضر الي أصبح هو اللون السائد وآلات البناء والعمران.
فلماذا كان الفشل ولماذا كان النجاح في واحد من أضخم المشروعات القومية الكبرى في مصر والذي يتجاوز تكلفته تكلفة السد العالي بحسبة هذه الأيام...؟
المسافة بين النجاح والفشل هو ذاتها المسافة بين زمنين، الأول صبغته سياسات البيروقراطية والمحسوبية والفساد والعشوائية وعدم المحاسبة والرقابة وغياب المتابعة والتخطيط، والثاني يمتلك إرادة سياسية وحلم كبير لا حدود له وإصرار يغلفه اتباع تعاليم الإدارة السليمة والتخطيط الصحيح والتنسيق والمتابعة والرقابة.
فالرئيس السيسي أولى مشروع توشكي اهتماما كبيرا وصمم على عودة الحياة اليه مرة آخرى وتم وضع المشروع ضمن خطة البرنامج الرئاسي لزراعة 4.5 مليون فدان. والمشروع كما رأيناه خلال افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي أصبح واقعا جميلا وحلما نلامسه بأعيننا وأيدينا ليصبح أحد المشروعات القومية العملاقة الذي نجح الرئيس في إعادة الحياة لها بعد 20 عاما من التخبط والفشل والضياع، وجعله أكبر مشروع استصلاح زراعي في منطقة الشرق الأوسط. مع اكتمال زراعته تماما في أكتوبر المقبل.
الفارق هي الإرادة والعزيمة والإصرار على التغلب على أية عقبات مهما كانت ضخامتها وحجمها، فالقوات المسلحة استعانت بحوالي 3 ملايين طن مفرقعات للتغلب على منطقة صخرية كانت تحول دون وصول المياه لزراعة مساحة كبيرة من الأرض بتوشكى ونجحت وبكى الجميع وسجدوا شكر لله لأن الأمل يتحقق...هذا هو الفارق أيها السادة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة