أوصى الفنان فريد الأطرش أن يدفن فى القاهرة التى جاء إليها وعمره ثمانى سنوات فى أحد أيام شتاء 1923 مع أمه السيدة علياء وشقيقه فؤاد وشقيقته «آمال» التى صارت المطربة الشهيرة «أسمهان»، وذلك هربا من ملاحقة قوات الاحتلال الفرنسى، التى استهدفت اعتقالهم لكسر شوكة «آل الأطرش»، الذين كانوا يقودون حربا شرسة ضد الاحتلال الفرنسى فى الشام، حسبما يذكر الدكتور نبيل حنفى محمود فى كتابه «فريد الأطرش ومجد الفيلم الغنائى»، مضيفا: «لم تكن السيدة علياء تعلم أن وصول صغيرها فريد إلى القاهرة فى ذلك العام، سيكون واحدا من الأحداث المهمة فى تاريخ الغناء المصرى بعد ذلك، وصنع الفتى القادم إلى مصر من قلب الثورة فى جبل العرب، للغناء المصرى والعربى الكثير».
توفى فريد الأطرش يوم 26 ديسمبر فى مستشفى «حايك» بضاحية سن الفيل فى بيروت، أثناء العرض الأول لفيلمه الحادى والثلاثين «نغم فى حياتى»، ووفقا لنبيل سيف فى «مجلة الأهرام العربى، 7 سبتمبر 2016».. فإنه بناء على وصيته بدفنه بجوار شقيقته أسمهان بالقاهرة، تقرر نقل جثمانه لمصر.
يذكر «سيف»، أن طائفة الدروز فى لبنان التى ينتمى إليها اعترضت، وحضر منهم 400 شخص بالمدافع الرشاشة، فأقنعهم شقيقه فؤاد بأنها وصية فريد نفسه، وتم تحنيط جسده فى المستشفى بلبنان طبقا لطقوس الدروز.
وصل الجثمان يوم 28 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1974، وفقا لجريدة «الأهرام» فى 29 ديسمبر 1974، بعد أن ودعه جمهوره فى لبنان، وانتقل إلى مستشفى القوات المسلحة بالمعادى، وفى اليوم التالى تم نقل الجثمان إلى مسجد عمر مكرم، ولكن الحشود الهائلة وطوفان البشر تسببا فى إلغاء الجنازة، وخرج الجثمان من باب البدروم فى عربة رأسا إلى مدافن البساتين، وسط هتافات هيستيرية: «الله أكبر.. الله أكبر.. مع السلامة يا فريد».
كان الرصيد الفنى لفريد الأطرش حتى وفاته هائلا.. نحو 250 أغنية ونشيدا و31 فيلما، وفى أهرام 28 ديسمبر 1947، تحدث كبار الفنانين عنه.. قالت أم كلثوم: «قدم فنا أصيلا طوال حياته والتزم بنغمنا الشرقى ليغزو به وطننا العربى الكبير، إن رأيى فى ألحانه هو رأى الجمهور الذى أحبه وقدره»..وقال الموسيقار محمد عبدالوهاب: «أثرى فريد الغناء العربى ثراء كبيرا فى الأغنية والموسيقى والسينما، لحن الأغانى الطويلة المعتمدة على شرقية اللحن والقوافى المصرية الصحيحة، كما لحن الأغنية الشعبية ليرددها الجمهور فى كل ساحة إلى جانب الأنشودة الخفيفة العصرية، أما الاستعراضات فلم يخل فيلم من أفلامه منها.. تلك الاستعراضات التى نفتقر إليها تقريبا فى جيلنا الحاضر، لقد لحن الفنان الراحل لنفسه ولكثير من المطربين والمطربات، أما كمطرب فكان يتمتع بشخصية مستقلة لم يقلد أحدا، بل تميز صوته وأسلوب أدائه عن الآخرين حتى تمكن من أن يكون على قمة الغناء العربى لأكثر من 40 عاما».
وقال كمال الطويل: «الخسارة فيه فادحة، فهو بلا شك من الرواد الأوائل لنغمنا الشرقى المعاصر.. لقد حافظ على طابعه الأصيل لآخر لحظة.. موسيقاه كانت مرحة أما أغانيه خاصة الطويلة فكان الشجن الملىء بها يؤكد أنه برغم صداقاته العديدة كان يشعر بغربة نفسية واحتياج حقيقى للحنان».. وقال الموسيقار أحمد فؤاد حسن: «فقدنا حصنا من حصون الموسيقى العربية، ومدافعا عنها، كما فقد المقربون منه الحب من القلب والصراحة والصدق..كان آخر حفل قابل فيه الجمهور فى 31 أغسطس الماضى شيئا مؤثرا للغاية..كان الحفل فى «بيسين عالية» وهو مسرح مكشوف، وليلتها انهمر المطر ربما لأول مرة فى هذا الوقت من العام، وأصر فريد على الغناء ليمتلئ المسرح على آخره، بعد أن كان البعض قد غادره فعلا بسبب المطر الذى لم يتوقف طوال الحفل الذى قدم فيه أغنيتين جديدتين «زمان يا حب» و«يا حبايبى يا غاليين».. يضيف «حسن»: «طوال 25 عاما لم أشاهد هذا العدد من باقات الورود التى غطت المسرح، وكانت آخر كلماته لى بعد الحفل: «أنا بقى عاوز أموت كده، بين الورود والسماء تبكى».
وقال الموسيقار بليغ حمدى: «تميز بالإنتاج الغزيز، والانتشار الكبير فى العالم العربى الذى تتغنى شعوبه بألحانه وأغانيه الشرقية المميزة، فقدنا بوفاته واحدا من ألمع فنانى النغم، نشأنا وكبرنا ونحن نستمع إلى ألحانه، فتعملنا منه بلا شك وتأثرنا بفنه».. وقال الموسيقار محمد الموجى: «كان مدرسة.. بالنسبة لى درست ألحانه وأنا مبتدئ.. أحسست أنه زعيم التمسك بأنغامه الشرقية الأصيلة، ولما عرفته بعد ذلك عن قرب وجدته أرق من ألحانه قريب القلب.. إننا نعزى أنفسنا فيه، فكلنا أسرته وإخوته وأبناؤه.. عاش فريد لنا جميعا ولجمهوره، فكانت له هذه المكانة التى يصعب أن يحتلها غيره».
أسمهان-وفريد
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة