الشاعر كريم عبد السلام أحد الأصوات الأساسية البارزة فى قصيدة النثر المصرية، ومنذ بداياته الأولى يحفر لنفسه مسارا خاصا داخل القصيدة يبدأ بالجماعة الإنسانية وهمومها ومعاناتها وتطلعاتها وينتهى بفتح المجال أمام الوعى الجمالى بقصيدة النثر المصرية باعتبارها أكبر وأعمق وأشمل من مجرد وصفة نقدية راجت خلال حقبة معينة، تعلى من شأن قصيدة الاعترافات اليومية ومتلازمة الأشياء المتناهية فى الصغر ، القصيدة عند كريم عبد السلام عموما وفى ديوانه "مريم المرحة" خصوصا قصيدة الحافة ، حيث الشاعر معنى بتلك الذات المعذبة ولحظاتها القصوى، التي تجسد تراجيديا الوجود الإنسانى فى جوهره، ومتى يكون الشعر إن لم يكن فى قلب الوجود الإنسانى بأحلامه الشاهقة وانكساراته المعذبة.
ديوان "مريم المرحة" المكتوب فى العام 2004، يقع فى نحو تسعين صفحة ويتضمن ست عشرة قصيدة هي "حالة الطقس، الجميلة، فى بحيرة حمراء، جنودى الأعزاء، ملاذ اسمه حديقة، رسول، الطريق، مريم المرحة، لا أرحب من الشوارع، العداء، الطبول، عندما صار الجسم فحما، المرح الخالص، ملائكة، أعطينى الوحش ياليلى، نحن"، وبينما تبدو قصائد الديوان تقارب لقطات مختارة من الواقع الخشن، أشبه بلوحات من السينما الإيطالية، إلا أن التوقف عندها قليلا سرعان ما يكشف أن الإحالات الواقعية ما هي إلا باب لعالم جديد بين العقل والجنون، أو بين الحلم والواقع، عالم فيه من الصوفية وفيه من الرومانسية وفية من الأسى على مصير الإنسان الكثير.
فى قصيدة الطريق يقول كريم عبد السلام:
"تجده حليقاً ونظيفاً
المجذوب تواً،
عكس هؤلاء الذين توغلوا في الطريق،
حتى لتنخدع فيه عندما يسألك:
كم الساعة ؟
أو يسير إلى جانبك بخطواته المرتبكة
وهيئته المائلة إلى الأمام
من هؤلاء، من كنت أظنه على الحافة، لا يزال
وكنت أُحذّره كل صباح أمام المرآة،
وتخيّلتُ أن باستطاعتي جذبه
للداخل مرة أخرى،
لكن يده أفلتت،
فاتسخت ملابسه تدريجياً
وطالت لحيته
وهاجم التراب مسامه
ثم تقوست أظافره
واختفي في الطريق"
أي طريق يوغل فيه كريم عبد السلام خلال ديوان مريم المرحة، أهو طريق الحقيقة أم طريق الوعى المغاير؟ طريق الانجذاب نحو أطياف الرؤى الصوفية بعيدا عن الواقع المملوء بالقبح والعنف أم طريق البحث عن الجنة المفقودة؟ فقدان الصلة بالواقع الذى ندعى معرفته إلى ترتيب جديد لواقع مغاير، يظهر بوضوح فى عديد من قصائد الديوان، جنبا إلى جنب مع لحظات المواجهة الحادة مع انكسار الحلم أو مع الإقرار بالهزيمة أو مع الموت الذى يلوح فى ذروة الحياة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة