على مدى سنوات ظلت مصر ترعى المصالحة الفلسطينية، بالكثير من الصبر وتقريب وجهات النظر انطلاقا من رؤية مصرية ترى أن الفلسطينيين ليس أمامهم سوى الوحدة، وخلال رحلة انتهت باتفاق مثمر للفصائل الفلسطينية يومى 8 - 9 فبراير فى القاهرة وتضمن 15 فصيلا، وشهد مناقشات دقيقة وطرحت فيه كل النقاط الخلافية.
وتوصل المجتمعون الى عقد اجتماع للفصائل الفلسطينية فى القاهرة خلال شهر مارس المقبل، بحضور رئاسة المجلس الوطنى ولجنة الانتخابات المركزية للتوافق على أسس والآليات التى سيتم من خلالها استكمال تشكيل المجلس الوطنى الجديد وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية.
نجحت المساعى المصرية للمصالحة، فى إعادة القضية وامتصاص أسباب الانقسام والصراع، وتعدد الرايات والولاءات والمنصات، استنادا إلى أن الفوز يأتى من إدراك عناصر القوة التى تمثلها الوحدة والإرادة والتجمع خلف راية فلسطينية واحدة، وهو ما رعته مصر وأدارته الأجهزة المصرية بكفاءة وصبر طوال أربع سنوات، وأثمر عن اتفاق يمثل إنجازا كبيرا فى سياق التوجه إلى الوحدة الفلسطينية. فقد تم عقد 17 اجتماعا برعاية الأجهزة المصرية، أهمها الاتفاقات الأخيرة التى تمثل خطوة مهمة فى توحيد الصف الفلسطينى استعدادا لأى خيارات، حيث تتصدر منظمة التحرير الصفوف بوصفها الممثل الوحيد للشعب الفلسطينى والقادر على احتواء التنوعات والاختلافات بين الفصائل وأن تصدر القرارات من المجالس الوطنى ممثلة لمصالح الفلسطينيين.
وتوصلت الفصائل إلى اتفاق عام 2017، ثم توالت الجلسات والمباحثات الصعبة، برعاية مصرية، استنادا إلى موقف مصرى يستند إلى دعم المواقف والخيارات الفلسطينية تجاه التسوية السياسية، حتى استعادة الشعب الفلسطينى لحقوقه وفق مرجعيات الشرعية الدولية. وبالرغم من تحولات وتقاطعات الوضع الإقليمى والدولى والتى جعلت القضية الفلسطينية أقرب للتجميد، ظلت وحدة الفلسطينيين أولوية، حيث لا يمكن أن تتحرك عملية سلام حقيقية، من دون أن يذهب الفلسطينيون، معا، إلى أى خيار، وهو ما تؤكد عليه مصر دائما، بعيدا عن أطراف اعتادت المتاجرة بالقضية.
أهم نقاط الاتفاق الأخير كان التوافق على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية مع التأكيد على إجرائها فى مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة دون استثناء والتعهد باحترام وقبول نتائجها، والتأكيد على دعم الانتخابات المركزية والعمل على تذليل أية معوقات تواجهها حتى تتمكن من القيام بمهامها على أكمل وجه، وهناك نقاط تم الاتفاق عليها تتعلق بضمانات الانتخابات، ومنها تشكيل محكمة قضايا الانتخابات وتتولى متابعة كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية ونتائجها والقضايا الناشئة عنها ويصدر الرئيس الفلسطينى مرسوما رئاسيا بتشكيلها استنادا للتوافق وطبقا للقانون، على أن تتولى الشرطة الفلسطينية «دون غيرها» فى الضفة الغربية وقطاع غزة بزيها الرسمى تأمين مقار الانتخابات وفقاً للقانون.
واتفق المجتمعون فى اجتماع الحوار الوطنى الفلسطينى فى القاهرة على إطلاق الحريات العامة وإشاعة أجواء الحرية السياسية والإفراج الفورى عن كل المعتقلين على خلفية فصائلية أو لأسباب تتعلق بحرية الرأى وضمان حق العمل السياسى والوطنى للفصائل الفلسطينية كافة فى الضفة الغربية وقطاع غزة بما يوفر بيئة ملائمة لإجراء انتخابات نزيهة ويدعو المجتمعون الرئيس أبو مازن لإصدار قرار ملزم بذلك وتشكيل لجنة رقابة وطنية لمتابعة التنفيذ.مع ضمان توفير الحرية الكاملة للدعاية السياسية والنشر والطباعة وعقد الاجتماعات السياسية والانتخابية لأى طرف سياسى، وضمان حيادية الأجهزة الأمنية فى الضفة الغربية وقطاع غزة وعدم تدخلها فى الانتخابات أو الدعاية لأى طرف سياسى، والتعهد بتوفير فرص متكافئة فى أجهزة الإعلام الرسمية دون تمييز لجميع القوائم الانتخابية.
ومن النقاط الإيجابية للاتفاق السعى لمعالجة إفرازات الانقسام بكل جوانبه الإنسانية والاجتماعية والوظيفية والقانونية على أسس وطنية شاملة وعادلة وخالية من كل مظاهر التميز الجغرافى والسياسى من خلال لجنة يتم تشكيلها للتوافق وتقدم تقريرها للرئيس الفلسطينى الذى يحيلها لحكومة ما بعد الانتخابات للمجلس التشريعى للتنفيذ.
وتوجهت كل الفصائل الفلسطينية المشاركة فى الاجتماع بالشكر والتقدير لمصر الشقيقة على دعمها الدائم للشعب الفلسطينى ونضاله وجهودها فى رعاية الحوار الوطنى الفلسطينى فى مراحله كافة كما تعبر الفصائل المشاركة عن تقديرها لمتابعة الرئيس عبدالفتاح السيسى لهذه الجهود وتوجيه الجهات المعنية فى مصر الشقيقة لمتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه والمشاركة الفاعلة فى الرقابة على الانتخابات الفلسطينية فى مراحلها كافة.
ويمثل نجاح الاتفاق والاقتراب من عقد الانتخابات، نقطة مهمة فى نجاح مصر فى رعاية الحوار على مدى سنوات، لاستعادة الوحدة التى فقدت بعد رحيل الزعيم الفلسطينى، ياسر عرفات، 2004 حيث حافظ «عرفات» على وحدة الفلسطينيين، بالرغم من اختلافاتهم، وللمرة الأولى يخرج الانقسام بين الفلسطينيين للعلن عام 2006، لتنقسم الدولة الناقصة، وينكسر الخط الأحمر الذى بقى رابطا بين الفلسطينيين، وكان الرئيس الراحل ياسر عرفات دائما ما يؤكد أن كل دول العالم كان لها مجموعات تابعة من بين الفلسطينيين، باستثناء مصر التى بقيت تدعم القضية ووحدة الفلسطينيين.
وسعت مصر إلى تقريب وجهات النظر استنادا إلى أن وحدة الفلسطينيين هى الورقة الأقوى لتحصيل الحق والاحتفاظ بزخم وقوة القضية، ولهذا كانت صعوبة التقريب والمصالحة سببها وجود تدخلات من كل الأطراف والجهات، لكن مصر بقيت دائما حريصة على وحدة الفلسطينيين، تدعم المصالحة وتدفع نحو وحدة الصف، وهو ما أكدته المباحثات التى جرت بين الرئيس عبدالفتاح السيسى، والرئيس الفلسطينى محمود عباس فى ديسمبر الماضى، والتى أكدت فيها مصر استمرارها فى جهود إتمام المصالحة وتحقيق توافق سياسى فى إطار رؤية موحدة بين جميع القوى والفصائل الفلسطينية، بما يُحقق وحدة الصف ومصالح الشعب الفلسطينى، وانتهت بالاتفاق الأخير الذى عقد بالقاهرة وأثمر عن خطوات تدعم وحدة الفلسطينيين.