فى منتصف الثمانينيات حتى عام 96 أطلقت مصر أكبر حملة إعلامية بالمشاركة مع الوزارات والجهات المعنية بالأمر فى مواجهة الزيادة السكانية، وكان أيقونة هذه الحملة إعلان غنائى شهير مازال الكثيرون يتذكرونه ويرددونه للفنانة فاطمة عيد "حسنين ومحمدين"، وشارك فى الحملة كثير من الفنانين والشخصيات العامة، وحسب الأرقام وخبراء السكان فالحملات رغم بساطتها وسخرية البعض منها وقتها، إلا أنها حققت نتائج إيجابية على مستوى معدلات النمو السكانى وانخفاض المواليد وخاصة فى الشريحة الاجتماعية الوسطى.
التجربة المصرية أو تجربة "حسنين ومحمدين" حققت النجاح المنشود وباعتراف المنظمة الدولية التى قررت عقد مؤتمرها الدولى للسكان فى القاهرة فى عام 94 إقرارا منها بنجاح التجربة المصرية فى مواجهة الزيادة السكانية التى تشكل صداعا دائما للحكومات المصرية المتعاقبة منذ الخمسينيات وتبحث لها عن حل، والرئيس السيسى فى كل مرة يشير إلى الأزمة السكانية وبقوة ويطالب الشعب بالمشاركة فى عملية التنمية الشاملة فى مصر بالوعى بخطورة المسألة السكانية على التنمية، فالزيادة تبتلع النمو وتلتهم عوائد العمل والإنتاج، وهو ما يجعل المواطن لا يشعر بعائد التنمية، والزيادة السكانية تعرقل النمو الاقتصادى بشكل مباشر وتؤثر على الخدمات وتوزيع الموارد.
خلال العشرين عاما الأخيرة من 2000 إلى 2020 زاد عدد سكان مصر 35 مليونا فى حين لم تقابلها زيادة فى الموارد، لذلك تعتبر مصر فى التصنيف الدولى من الدول ذات المعدلات السكانية المرتفعة، وكما ذكر الدكتور مصطفى مدبولى فى الندوة التثقيفية 32 للقوات المسلحة، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى، أن عدد سكان مصر تضاعف حتى وصل فى عام 1977 لأن يكون عدد المواليد فى مصر يتساوى مع عدد المواليد فى إيطاليا وفرنسا، وفى عام 2012 أصبح عدد المواليد يساوى عدد مواليد 6 دول أوروبية، وهو لا يتناسب مع نسبة الموازنة العامة وليس بقوة اقتصاد ست دولة أوروبية.
الرئيس جمال عبد الناصر أول من تحدث عن المشكلة فى خطابه الذكرى الـ 14 لثورة يوليو 1952 - أى عام 66 - وقال إن الزيادة السكانية أصبحت قضية ملحة، وكان عدد سكان مصر وقتها 30 مليون نسمة، وقرر عبد الناصر إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة، فى السبعينيات حاولت الدولة مواجهة مشكلة التكدس والزيادة السكانية بالتوسع فى المدن الجديدة مثل مدينة السادات الا ان هذا الحل لم يحقق المراد منه وفشل، رغم ان الزيادة السنوية لم تزيد عن 600 الى 700 ألف نسمة سنويا لكن السادات نبه الى خطورة الزيادة وتوابعها الاقتصادية والاجتماعية ووصل تعداد السكان فى عام 1976 إلى 37 مليونا نسمة.
الرئيس الأسبق مبارك كان يعتبر ظاهرة " الانفجار السكانى" سببا رئيسيا فى تدنى المستوى الاقتصادى للأسرة المصرية. وكان دائم السخرية من زيادة عدد أفراد الأسرة وله تعبيرات خاصة به فى خطاباته. الدولة فى ذلك الوقت اعتمدت استراتيجية عاجلة لمواجهه الزيادة السكانية وحشدت الاعلام ورجال الدين والدعاة والكتاب والمثقفين والفنانين والدعوة لعقد مؤتمرات قومية للسكان لبحث القضية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، وعقد المؤتمر القومى الأول للسكان فى عام 1984 ووضع سياسات وآليات لمعالجة المشكلة السكانية، أسفرت عن تأسيس المجلس القومى للسكان، وإقرار سياسة قومية للسكان عام 1986 وشارك الاعلام بحملة "حسنين ومحمدين"، والتى انتهت بإطلاق استراتيجية قومية متعددة المحاور عام 2002.
وعلى الرغم من عقد مؤتمر السكان والتنمية 1994 والذى أجمع العالم على خطة العمل التى أسفر عنها، إلا أن البرنامج المصرى ظل وحتى 1996 قاصرًا على الطرق التقليدية لخدمات تنظيم الأسرة دون المحاولة إلى تنفيذ باقى توصيات المؤتمر والتى تعنى الدخول فى حل مشكلات السكان عن طريق خدمات الصحة الإنجابية وتقوية دور المرأة فى المجتمع والتركيز على برامج الشباب والمشاركة بطريقة فعالة فى برامج التنمية.
خطوات جادة قامت وزارة الصحة والسكان فى بداية الألفية الثانية بمراجعة وثيقة السياسة القومية للسكان التى صدرت عام 1986 وقامت بتحديثها بحيث تتلاءم مع متطلبات المرحلة القادمة بإضافة هدف رابع للسياسة القومية للسكان والخاص بتقليل التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية بين السكان فى المناطق المختلفة، وتبنى استراتيجيات متعددة غير تقليدية من أجل تحقيق الهدف القومى، ألا وهو خفض معدلات المواليد مع إعطاء الأولوية لمحدودى الدخل وغير القادرين، وبلغ عدد السكان داخل مصر فى أول يناير عام 2004 بنحو 68.6 مليون نسمة، ثم بلغ فى عام 2006 حوالى 72 مليون نسمة. و78.7 مليون نسمة عام 2008 بزيادة 15 مليون نسمة عن تعداد 96 والذى كان 59.3 مليون نسمة
كما قامت وزارة الصحة والسكان بعمل الخطة الاستراتيجية القومية للسكان فى الفترة من 2002 – 2010، والتى تعمل على تحقيق أهداف السياسة السكانية، وذلك بمشاركة جميع الوزارات والجهات المعنية والتى سبق لها أن شاركت فى تحديث هذه السياسة السكانية.
الحملات الإعلانية فى قنوات التليفزيون المصرى - لم تكن الفضائيات قد ظهرت أو انتشرت - كان لها دور فعال ومنها: "وقفة مصرية - برنامج الرائدات الريفيات، الراجل مش بس بكلمته.. الراجل برعايته لبيته وأسرته - حسنين ومحمدين - البيت الرايق ما حدش متضايق - اسأل استشير - السند مش فى العدد".
المأساة ومع أحداث الفوضى المصاحبة لثورة يناير 2011 زاد عدد السكان بكل مخيف سنويا، فقد بلغ 3 ملايين سنويا ليصل عدد السكان إلى 80.7 مليون نسمة فى ظل ما تعانيه مصر من نقص فى الطاقة والمياه والقمح، وانخفاض احتياطيات العملة الأجنبية وارتفاع معدلات البطالة.
الرئيس السيسى مع توليه مقاليد الحكم بدأ التعامل مع القضية السكانية بجدية شديدة وبدأت الأزمة فى بؤرة الاهتمام للسياسة المصرية بعد إطلاق أضخم عملية تنمية فى تاريخ مصر تحدث عدة مرات، ومدى تأثير الزيادة السكانية عليها، فلدينا مولود كل 13 ثانية بمعدل 270 مولود فى الساعة أى بزيادة 2.3 مليون نسمة سنويا أو 2 مليون وهو ما يكلف الدولة 45.5 مليار جنيه سنويا، مدارس ومستشفيات وخدمات وغيرها.
الدول التى بدأت برامجها فى التوعية بمخاطر الزيادة السكنية انتهت منها منذ سنوات وحققت أهدافها سواء بالتوعية السلمية أو بالإجراءات العنيفة مثل حرمان الطفل الثالث من الخدمات الحكومية.
ومصر تواجه الأزمة منذ منتصف الستينات بسبب عدم التوازن بين السكان وحجم الموارد، ورغم النجاحات الاقتصادية وزيادة النمو التى تحققت على أرض الواقع لكن هناك زيادة فى عدد السكان تجاوز 100 مليون نسمة، ما يعنى أن معدل الخصوبة ما يزال بحدود 3% وأن الزيادة السكانية بلغت 2,5 مليون نسمة سنويا. بما يعنى فى جانب آخر ان النمو الاقتصادى ينبغى أن يكون ثلاثة أضعاف معدل النمو السكانى كى يكون قادرا على خلق الوظائف اللازمة للجيل الجديد. ومما يعنيه ذلك أن نسبة نمو سكانى بين 2,5 إلى 3 بالمائة سنويا فى مصر تحتاج إلى نسبة نمو اقتصادى من 7,5 إلى 9 بالمائة سنويا للسيطرة على الوضع.
ناقوس الخطر يدق رغم جهود الحكومة التى تراهن على الوعى المجتمعى ولا تفكر فى الإجراءات العنيفة، ولا يمكن بأى حال من الأحوال عدم الإشادة بحملات وبرامج تنظيم الأسرة تحت عنوان"2 كفاية". ونتج عنها خفض معدل الخصوبة من 3,4 بالمائة إلى نحو 3 بالمائة خلال السنوات الأربع الماضية، أى إلى ما كان عليه قبل 25 يناير 2011.
الا ان الوضع يحتاج الى وضع استراتيجية شاملة لربط برامج التوعية بالمشروعات القومية الكبرى والعاملين فيها والمستفيدين منها مثل مشروع تطوير القرى، واعداد حملة كبرى بمشاركة الإعلام والمؤسسات الدينية والمجتمع المدنى ورموز المجتمع والفنانين والمثقفين.