مابين عون والحريرى ومن خلف الستار "حزب الله"..مازال الضباب يهيمن على مسار تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، في ظل الخلافات الدائرة ـ حول توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف وحجم الوزارات التي سيحصل عليه كل فريق ونوعيتها والأسماء التى ستشغل الحقائب ـ بين قطبى التأليف وهما الرئيس اللبنانى ومن خلفه حزب الله من جهة وسعد الحريرى رئيس الحكومة المكلف من جهة ثانية، وبين الجبهتين تومض من حين لآخر محاولات البطريرك المارونى مار بشارة الراعى لحلحلة الأزمة ، فقد دعا مؤخرا لـ"تدويلها" وهو ما قوبل بانقسام فى الآراء .
وفى خضم كل هذا يلجأ الحريرى للدول الصديقة عربيا وأوربيا لمساندته ومساندة لبنان فى وجه العاصفة.
محاولات البطريرك المارونى لحل الأزمة
على صعيد مساعى حلحلة الأزمة طرح الراعى تدويل الازمة، وهو ما أثار جملة ردود، بدأت من اعتراض "التيار الوطني الحر" الذي رفض هذا الطرح، وصولاً إلى موقف "حزب الله"، في مقابل تأييد حزب "الكتائب"، وحزب "القوات اللبنانية"، فيما لم يعطِ "الحزب التقدمي الاشتراكي" موقفاً حاسماً بالنظر إلى أن قيادييه يعتبرون أن الموضوع يحتاج إلى نقاش رغم تسجيلهم للبطريرك حرصه على لبنان واستمرارية هذا الكيان. أما "المستقبل"، فلم يعطِ موقفاً حاسما أيضاً، وهو يعتبر أن التلويح بذلك ينطوى على رسالة تحذيرية حيال التعثر بتشكيل الحكومة وتفاقم الأزمات.
لقد قوبلت دعوة البطريرك المارونى بانقسام لبناني بين مؤيد لها، باعتبارها الفرصة الأخيرة لإنقاذ البلاد الغارقة في أزمات سياسية ومعيشية، وبين معارض لها ووصفها بأنها "دعوة للخراب والحرب واستدراج الخارج للاعتداء على لبنان"، بحسب ما قال "حزب الله" رداً على التحذيرات من أن يدفع العجز عن تشكيل الحكومة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وظهر موقف عالي السقف لـ"حزب الله" على لسان أمينه العام حسن نصر الله، إذ قال إن "الذهاب بالأمر إلى مجلس الأمن يعنى أننا نجلب كل دول العالم إلى لبنان لتحقيق مصالحها وهذا يخالف مصلحة لبنان ويتعارض مع مبدأ السيادة".
ويشرح عميد المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن أن المسألة "ليست تدويل لبنان بالمعنى الضيق للكلمة"، موضحاً وفق "الشرق الأوسط" أن المسألة ذات بُعدٍ إنساني حضاري، وبعد سياسي، مشيراً إلى أنها أولاً، إنقاذ لهذا الوطن الرسالة الذي يحتضن المسيحيين والمسلمين ثانياً، ففي الإطار السياسي الداخلي، أتت دعوة الراعي، بعد فشل مساعيه الحميدة في تصويب مسار المنظومة الحاكمة، وفشل مبادرته في تقريب وجهات النظر بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء المكلّف تمهيداً لولادة حكومة تعيد الحياة إلى لبنان.
البطريرك الراعى
ويستند معارضو التدويل إلى مخاوف من فرض قوانين دولية على لبنان، وهو ما ينفيه الخازن المقرب من بكركي، قائلاً إن "الشعب اللبناني، بأكثريته الساحقة، لم يعد يحتمل فراغاً ومآسي". وقال: "لأن أفق الحلول الداخلية مقفل، من الطبيعي أن يرفع البطريرك الصوت عالياً لإنقاذ لبنان".
وقد سبق ذلك أن حاول الراعى حلحلة الأزمة بين الحريرى وعون، حيث حث أكبر رجل دين مسيحي في لبنان الرئيس ميشال عون على عقد اجتماع مصالحة مع رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري لتشكيل حكومة وإنهاء حالة الجمود السياسي في البلاد.
وبلغت التوترات بين عون والحريري، اللذين تبادلا اللوم علنا في ديسمبر بعد عدم الاتفاق على تشكيلة الحكومة، ذروتها الأسبوع الماضي عندما أظهر مقطع فيديو مسرب عون على ما يبدو وهو يصف الحريري بالكاذب.
الحريرى يواصل جوالاته الخارجية
فيما يواصل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريرى زياراته الخارجية فبعد أن زار مصر والسعودية وباريس قد وصل الرئيس سعد الحريري إلى العاصمة القطرية الدوحة والتقى نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني وتناولت مجمل الأوضاع العامة في لبنان، والمتوقع أن يتوجه بعدها لدولة الإمارات.
الانتخابات النيابية
وعلى صعيد الانتخابات النيابية توقع مراقبون لبنانيون، تعذر إجرائها في موعدها في ربيع 2022 ما قد يؤدي إلى التمديد للبرلمان الحالي ليحل مكان البرلمان المنتخب الذي يُفترض أن يَنتخب من يخلف عون في سدة الرئاسة والذي تنتهي ولايته بعد نحو خمسة أشهر ونصف على انتهاء ولاية البرلمان الحالي، وهذا ما يسمح لعون بالتحالف مع "حزب الله" بالضغط لإعادة تسويق باسيل رئاسياً، ما يدفع عون أيضا باتجاه التمسك بالثلث المعطل.
وإن كان من الصعب إعادة تلميع صورة باسيل حتى داخل ما تبقى من "قوى 8 آذار"، وتعزو السبب إلى أنه ورئيس الجمهورية لم يتركا حليفاً لهما سوى "حزب الله"، لذلك، فإن إصرار عون على الثلث الضامن في الحكومة في حال أنها تشكّلت يَلقى معارضة واسعة، حتى لا تبقى بيده وباسيل ورقة التعطيل، وإن كان من المبكر منذ الآن التكهن بمصير الانتخابات النيابية.
عون ينفى
وفى الوقت الذى نفى المكتب الإعلامى بقصر رئاسة الجمهورية اللبنانية فى بعبدا كل ما قاله الحريرى حول موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فيما يخص أزمة تشكيل الحكومة، ومطالبته بالثلث المعطل، مؤكدا أنها مغالطات ، شدد القصر الرئاسى، على أن رئيس الجمهورية لم يطلب الحصول على الثلث المعطل فى التشكيلة الحكومية العتيدة، مشيرا إلى أن الادعاءات كثرت حول أن رئيس "تكتل لبنان القوى" النائب جبران باسيل يعرقل تشكيل الحكومة، فيما أن الواقع يؤكد أن النائب باسيل لم يتعاط فى عملية التشكيل مطلقا، وللتكتل مواقفه السياسية التي يعبر عنها.
وأكد البيان أن "حزب الله" لم يضغط على رئيس الجمهورية في مسألة تشكيل الحكومة، ولا يتدخل فى أى قرار لرئيس الجمهورية، بما فى ذلك تأليف الحكومة، وللحزب مواقفه السياسية التي يعبر عنها.
وبالنسبة لاختيار الوزراء وتسميتهم وتوزيعهم على الحقائب الوزارية، فإن هذا الأمر ليس حقا حصريا لرئيس الحكومة استناداَ الى البند الرابع من المادة 53 والبند الثاني من المادة 64 من الدستور، ما يدل على أن للرئيس عون حقا دستوريا بأن يوافق على التشكيلة الحكومية كاملة قبل التوقيع.
ومن جانبه، حاول حسان دياب إعادة تحريك المشاورات الخاصة بتأليف الحكومة، مع أنه يدرك جيداً أن عون الذي يرفض التجاوب مع مبادرة البطريرك الماروني بدعوته الحريري لعقد لقاءات وجدانية لعلها تفتح الباب أمام الوصول إلى تفاهم يدفع باتجاه تسريع ولادة الحكومة ويصر على التمرّد على مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان، ليس في وارد التسليم له بأنه يقوم بمهمة إنقاذية.
تأزم تأليف الحكومة
بعض الساسة اللبنانيين والمراقبين للشأن اللبنانى أكدوا أن مازال الخلاف على عدد من الحقائب بين الحريرى وعون ومن خلفه جبران باسيل الذى يقود التيار الوطنى الحر، وكان الحريري قد صرح بإنه قدم لعون، تشكيلة حكومية من 18 وزيرا من أصحاب الاختصاص، بعيدا عن الانتماء الحزبي المباشر، إلا أن عون أعلن اعتراضه على "تفرد" الحريري بـ"تسمية الوزراء، خصوصا المسيحيين، دون الاتفاق مع رئاسة الجمهورية.
وعلى الجانب الآخر، أكد مراقبون أن التأخر فى تشكيل الحكومة على انتظار تولى الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن والذى من المنتظر أن تحمل سياساته الخارجية كثيرا من التغييرات ما سينعكس حتما على الملف اللبنانى، حزب الله ومن خلفه حليفته إيران يحاولون خلق العقبات لاستهلاك الوقت حتى يتولى جو بايدن مقاليد الحكم الأمريكى أملا منهم فى التوصل إلى تفاهمات مع الإدارة الأمريكية الجديدة، تضمن لهم كسب المساومات المتوقعة بين واشنطن وطهران مقابل الضغط بورقة حسم ملف الحكومة اللبنانية.