بيشوى رمزى

كابوس التقارب الأمريكي الإيرانى

الإثنين، 22 فبراير 2021 11:53 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

30 يوما كاملة، مرت على تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، اهتم خلالها بمحو الإرث الذى تركه سلفه دونالد ترامب، عبر قرارات تنفيذية وقعها، للعودة من اتفاقات انسحبت منها واشنطن، خلال عهد الإدارة السابقة، على غرار اتفاقية باريس المناخية، تارة، وإجراءات من شأنها استعادة السياسة الأمريكية القائمة على استقبال المهاجرين، تارة أخرى، ناهيك عن الوعود البراقة لمصالحة الحلفاء، الذين سبق وأن وأغضبهم الرئيس السابق بقراراته، التي تمحورت في جوهرها، حول شعاره الانتخابى، الذى رفعه في عام 2016، وهو "أمريكا أولا"، إلا أن الواقع العملى ربما أثبت أن العودة إلى الوراء، وتحديدا إلى حقبة "ما قبل ترامب" ليست بالمهمة السهلة، وهو الأمر الذى تبرهنه سياسات الإدارة الحالية في الكثير من الأصعدة.

ولعل أبرز الملفات التي تمثل عقبة كبيرة في العودة إلى الوراء، تتجلى في الاتفاق النووي الذى أبرمته إدارة أوباما مع إيران، بمشاركة القوى الدولية الكبرى، خاصة وأن ثمة معطيات كثيرة، تؤدى إلى حقيقة واحدة مفادها أن اتفاق أوباما "مات إكلينيكيا" وأن إحياءه أصبح دربا من المستحيل، إذا ما وضعنا في الاعتبار أنشطة طهران المشبوهة، خاصة فيما يتعلق بالمجال النووي، منذ الانسحاب الأمريكي في مايو 2008، وهو ما يتطلب فرض التزامات جديدة، بالإضافة إلى صعوبة الوثوق في الجانب الأمريكي، بعد خطوة الانسحاب، سواء من جانب الدولة الفارسية، التي ستطلب حتما التزامات أكبر تضمن الاستمرار وعدم السقوط مجددا في مستنقع العقوبات، جنبا إلى جنبا مع الشكوك الكبيرة لدى حلفاء واشنطن في مصداقيتها، وهو ما يضعف أية أمال من شأنها العودة إلى الاتفاق السابق.

وهنا أصبح السبيل الوحيد أمام إدارة بايدن، ليس العودة إلى اتفاقية أوباما، وإنما إبرام اتفاق جديد، تضمن من خلاله احتواء الخطر الإيراني، وفى الوقت نفسه يقدم ضمانات حول استمرارية الاتفاقية، وعدم الانقلاب عليها، وهو ما يمثل انتصارا صريحا للرئيس السابق، الذى لم يكن منغلقا أمام توقيع اتفاق جديد مع طهران، بل على العكس، أبدى مرونة في الكثير من المراحل للوصول إلى هذه الخطوة، إلى الحد الذى أكد فيه استعداده للقاء الرئيس الإيراني حسن روحانى، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عام 2019، بل واستبق الخطوة بإقالة مستشاره للأمن القومى جون بولتون، والمعروف بمواقفه المتشددة تجاه "الملالى"، في محاولة لطمأنتهم.

ولعل بولتون كان بمثابة ورقة ترامب لملاعبة إيران، في محطات عدة، فتعيينه في مارس 2018، ارتبط بالانسحاب من الاتفاق النووي، في مايو من نفس العام، بينما كانت إقالته رسالة طمأنة للإيرانيين، من أجل بدء التفاوض من جديد، والوصول إلى اتفاق أوسع، يمكن من خلاله احتواء الخطر الذى تمثله الدولة الفارسية، سواء لدول الجوار، أو في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.

ولكن يبدو أن الحديث عن اتفاق جديد، مع إيران، ليس الانتصار الوحيد لرؤية ترامب، بعدما ترك البيت الأبيض، خاصة مع حديث إدارة بايدن عن ضرورة إطلاق سراح السجناء الأمريكيين في الأراضى الإيرانية، باعتباره بادرة مهمة لإثبات حسن النية لدى النظام الإيراني، إذا ما أراد طى صفحة الخلاف، والعودة إلى التفاوض، وهو الأمر الذى سبق وأن وضعه الرئيس السابق كأولوية قصوى قبل الانغماس في أية مفاوضات، فيما يمكننا تسميته بـ"دبلوماسية السجناء"، سواء مع إيران أو من قبلها مع كوريا الشمالية، في إرساء صريح لشعار "أمريكا أولا"، باعتباره البوصلة التي توجه السياسات الأمريكية، سواء فيما يتعلق بالداخل أو الخارج.

حديث إدارة بايدن عن السجناء، اقتصر على الأمريكيين المحتجزين في السجون الإيرانية، بالرغم من وجود سجناء، ينتمون لدول حليفة، منهم بريطانيين وفرنسيين وألمان، وهى دول كانت أعضاء في الاتفاق النووي الذى أبرمه أوباما مع طهران في يوليو 2015، وهو ما يمثل امتدادا صريح لشعار ترامب، والذى بات يمثل "الكابوس" الذى يطارد سياسات بايدن، في الداخل والخارج.

التجاهل الأمريكي لسجناء الدول الحليفة، والتي ربما لا يمكن التخلي عنهم، إذا ما أراد بايدن العودة إلى المفاوضات مع إيران، في حقيقته عقبة جديدة في مواجهة جولات التفاوض المرتقبة، حيث يساهم بصورة كبيرة في استمرار حالة غياب الثقة بين حلفاء واشنطن، في الحليف التاريخى لهم، وهو الأمر الذى سينعكس سلبا على الجانب الإيراني الذى ربما يحتاج إلى شركاء أكثر لضمان الإبقاء على أي اتفاق يمكن توقيعه مع الجانب الأمريكي في المستقبل.

الحديث عن السجناء الأمريكيين عند البدء في مفاوضات دولية، يمثل انعكاسا صريحا لحالة خلقها ترامب داخل المجتمع الأمريكي، وربما تستمر لعقود، خاصة وأن الأمر لم يشغل بال إدارة أوباما عند اتفاقها مع طهران في 2015، حيث كان الهدف الرئيسى احتواء الخطر النووي، بعيدا عن مصير المواطنين المحتجزين على الأراضى الإيرانية، في تجاهل صريح للمواطن الأمريكي، إلا أن وضعه في صدارة الأجندة لدى إدارة بايدن، هو أحد علامات التغيير، ويمثل دليلا دامغا على أن إرث ترامب لم يمت، وربما لا يمكن تقويضه خلال سنوات بايدن القادمة.

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة